نهرٌ من الوفاء

نهرٌ من الوفاء
الرابط المختصر

الشيخ سالم الفلاحات (المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين)، لمن يُنصف الرجل، مجبول بالقيم الإنسانية والأخلاقية، وهي المفتاح الرئيس لفهم شخصيته، مما يجعله عملة نادرة وسط النخب السياسية الأردنية، وشخصية قيادية ليس على صعيد جماعته (الإخوان) بل حتى في المجتمع عموماً.

قيمة الوفاء (لديه) تتجلّى بوضوح أكبر في روايته المكتوبة المعبّرة لتجربته الشخصية مع سفينة مرمرة التركية (قبل عدة أشهر)، التي اقتحمها الجنود الصهاينة، وقتلوا تسعة من ركابها وجرحوا آخرين.

ذلك الوفاء نجده في كتابه أسطول الحرية: ذكريات.. خواطر.. أحداث (وهو صادر عن مركز دراسات الأمة) تحديداً للأتراك التسعة الذين استشهدوا في السفينة، وهم يدافعون عن الركاب الآخرين.

وفاء أبي هشام يكمن (أولاً) في تذكّر هؤلاء وتذكير الناس ببطولاتهم، وتوثيقها في شهادته الجميلة المعبّرة العاطفية، و(ثانياً) في زيارته لأهل الشهداء في تركيا وتقديم شيء من حياتهم للقراء الأردنيين والعرب، وهي بالفعل أجزاء مؤثرة موثقة بالصور لأبنائهم وعائلاتهم وذويهم.

شدّ انتباهي إلى درجة الصدمة الحقيقية أنّ أغلب هؤلاء من الأتراك الأكراد، فـالصورة النمطية الإعلامية، للأسف، عن الأكراد خلال الفترة الأخيرة تكاد تُخفي هذا الجانب القومي- الإسلامي في مشاعرهم وشخصيتهم السياسية، وتقفز على معاناتهم ومشاعرهم ومحاولة بناء حوار حضاري- سياسي معهم من قبل النخب العربية.

يقدّم أبو هشام صورة رائعة عن كل المشاركين في سفينة مرمرة، لكنه يبرز خصوصية الدور التركي سواء في التنظيم أو الكرم الشديد أو الإخلاص للقضية الفلسطينية والمشاعر الإسلامية الفيّاضة، وأخيراً في الشجاعة والإقدام، وتحمّل مسؤولية التصدي للاقتحام الصهيوني، مما يفسّر أنّ الشهداء كانوا من الأتراك.

في رواية أبي هشام لمرمرة تأكيد جديد آخر على عودة الأتراك إلى المحيط العربي الإسلامي وقطيعة مع الخطاب العربي المشكّك بفحوى هذه العودة ودلالاتها وأبعادها.

يومٌ بيوم يزداد الموقف التركي الرسمي والشعبي وضوحاً تجاه القضية الفلسطينية، وتنبثق الروح الوفية النقية بصورة أنصع وسط الغيوم والضباب لتؤكّد أنّ هنالك معادلة جديدة في المنطقة مع وجود قوة تركية لها وزنها الاستراتيجي والسياسي والإقليمي ووجهتها المختلفة عن الدور التركي خلال العقود السابقة.

المفارقة هنا أنّ النظام الرسمي العربي ما يزال يصرّ على التشكيك بالدور التركي والابتعاد عنه، بالرغم أنّ هذا الدور بمثابة الأفق الواقعي الوحيد للعرب للخروج من مأزق الارتهان لنوايا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول التسوية السلمية وللصفعات المؤلمة التي يوجهها لهم، وللحلقة المفرغة التي تدور فيها الضغوط الأميركية مع إسرائيل، بل ولإيجاد شريك استراتيجي قريب لملء الفراغ الحالي في المنطقة.

تحية معطّرة خالصة للشهداء الأتراك الذين أوفى لهم أبو هشام في روايته، وأوفوا هم للقضية بدمائهم، وأحسب أنّهم أحد عناوين مرحلة جديدة في الدور التركي في المنطقة، حتى وإن أبى النظام العربي!

span style=color: #ff0000;الغد/span

أضف تعليقك