نقد يلامس الخطوط الحمراء

نقد يلامس الخطوط الحمراء
الرابط المختصر

بيانات ورسائل تتجاوز اللغة المعهودة للمعارضة وتطرح اسئلة حول سقف الاصلاحات .

شهد الاردن في الاسبوعين الاخيرين أشكالا غير مسبوقة من النقد والاحتجاج لامست في معظمها الخطوط الحمراء, كان من ابرزها ما عُرف ببيان الـ 36 ورسالة المهندس ليث شبيلات للديوان الملكي وبيان معان الذي جاء على نسق بيان الـ 36 ورسالة حزب الجبهة الاردنية الموحدة.

المثير في هذه البيانات ان ما ورد فيها الجزء الاكبر منه كان محل تداول في الصالونات المغلقة وخلف الابواب, ولم يكن لأحد ان يفكر في مناقشته بشكل علني.

سبق هذه التطورات بيان مطول حمل الاسماء الصريحة لعشرات الشخصيات وتضمن آراء مسيئة وافكارا تبعث على الاشمئزاز وقد تبرأ معظم الموقعين منه, لكن السؤال عمن يقف وراء البيان ظل معلقا بلا اجابة.

لم نعلّق على بيان "الجبهة الوطنية" المزعومة كونه يأتي خارج سياق النقاش العام في البلاد ويمثل وجهة نظر شاذة كل ما تهدف اليه اشعال حرب اهلية في البلاد.

لا شك ان مناخات الثورة والتغيير في تونس ومصر اغرت النخب في اكثر من بلد عربي لرفع سقف خطابها النقدي. ونظرا لتشابه الاوضاع السياسية والاقتصادية في البلدان العربية سرت موجة من الاحتجاجات في دول عدة كان القاسم المشترك بينها الدعوة لاصلاحات سياسية واقتصادية واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها.

في الاردن تزامنت مشاهد الثورة التونسية ثم الانتفاضة المصرية مع اوضاع اقتصادية صعبة وشكوى مريرة من انتشار الفساد وتآكل دور الدولة وتعثر مسار الاصلاحات السياسية وشعور عام لدى الاغلبية بالاقصاء والتهميش, وبدا للكثيرين انها اللحظة المناسبة للتغيير, كان السؤال عن حدود التغيير مطروحا, لكن الجواب معروف ايضا, فالشعارات لم تصل في وقت الى المطالبة بتغيير على الطريقة التونسية او المصرية. فالرسائل والبيانات على ما فيها من قسوة في النقد فان اصحابها لا يختلفون ابدا على النظام الملكي, لا بل ان معارضا جذريا مثل ليث شبيلات يُظهر انحيازا مطلقا للملكية الدستورية ويطرح ما لديه من ملاحظات نقدية في اطار حرصه على قوة وثبات نظام الحكم.

بهذا المعنى يخطئ من يذهب الى وصف اصحاب هذه الرسائل والبيانات بانهم معارضون للنظام الملكي, فمن يدقق في فحوى خطاب هؤلاء سيلحظ بلا شك ان هناك جرأة غير معهودة تكسر "التابوهات" لكنها في الجوهر دعوة الى القيام باصلاحات دستورية وتحديث اسلوب ممارسة الحكم لتحصينه من اخطاء الحكومات وفساد رجال السلطة والبزنس ليبقى للجميع وفوق الجميع.

وأيا كان الموقف من هذا النوع من المعارضة فان التعامل معه بالحلول الامنية لا يفيد, الامر يتطلب معالجة سياسية وحوارا وطنيا فما من احد يريد لكرة الثلج ان تكبر وتتدحرج. على الطرفين الدولة والمعارضة ان يبديا اكبر قدر من الحذر في ادارة الخلاف في هذه المرحلة الحساسة.

الدولة مطالبة بالوفاء في وعودها باجراء اصلاحات حقيقية وملموسة تطال جميع المؤسسات ومراجعة اسلوب ادارة البلاد القائم وتصويب الاختلالات في العلاقة بين السلطات والشروع في حرب جادة على الفساد وباثر رجعي اذا لزم الامر, واعادة تعريف العلاقة بين "الديوان" والحكومات ومجلس الامة وتقويم السياسة الخارجية للاردن, بما تمليه المصالح الوطنية, وتعديل السلوك العام للمسؤولين.

والمعارضة "الجذرية" مدعوة للحذر الشديد. فهناك قوى خارجية في مقدمتها اسرائيل لها مصلحة في خلق حالة فوضى في الاردن تمرر من خلالها مشاريع سياسية لا تخفى على احد ولذلك ينبغي الحرص على عدم الانزلاق خلف اجندات مبيتة تعبر عن نفسها بوضوح فيما يمكن وصفه بحملة في الصحافة الاسرائيلية والامريكية تشجع الاردنيين على الثورة ضد نظام الحكم, ليس حرصا على حقهم في الديمقراطية والحرية وانما لخلق الظروف الملائمة لتصفية القضية الفلسطينية.

في النهاية علينا الاعتراف بان مصلحة الاردن وعاصفة التغيير التي هبت على المنطقة تستدعي من اصحاب القرار الاقدام على خطوات اصلاحية تتجاوز السقف المطروح وتلتقي مع مطالب التغيير في منتصف الطريق.

العرب اليوم