نقاط على "حروف الجريمة"

نقاط على "حروف الجريمة"
الرابط المختصر

* من الواضح أنّ تعامل إسرائيل مع جريمة قتل الشهيد القاضي رائد زعيتر، يدخل في باب المجاملات ومحاولات مساعدة الحكومة الأردنية على تجاوز "محنتها" السياسية الداخلية، وشراء الوقت، وتنفيس الاحتقان الشعبي؛ لا أكثر!

* وعلى ما يبدو، كذلك، فإنّ الحكومة الأردنية تتعامل مع القضية من باب "إدارة الأزمة الداخلية" مع مجلس النواب، وتخفيف حدّة الغضب الشعبي؛ لتمرير تداعيات الجريمة، والرهان على المماطلة والوقت. فالشكوك تراودنا بشأن مدى وجود "نوايا" حقيقية لدى حكومتنا لوضع العلاقة الأردنية-الإسرائيلية على محكّ هذه الجريمة، ومتابعتها، حماية لسيادة الوطن ولكرامة المواطنين جميعاً!

* بالرغم من هذه النتيجة المحبطة؛ وبالرغم، كذلك، من الأصوات الشاذة المأزومة التي خرجت في تعصّبها ولغتها عن السياق المجتمعي الوطني، فإنّ من أبرز الخلاصات المطمئنة هي تلك الروح الوطنية الجامعة التي غمرت الشارع الأردني، وكسّرت من شوكة التيارات العصابية والهويات الفرعية. وكان مشهد لفّ جثمان الشهيد بالعلمين الأردني والفلسطيني مؤثّراً في كثيرٍ من النفوس، ورأينا كيف أنّ الوحدة الوطنية أصبحت عنواناً لهذه الحالة السياسية المجتمعية.

* هذه الحالة هي بمثابة مؤشّر مهم على أنّ مقوّمات الجماعة الوطنية موجودة، بل هي الأكثر قوة وانسجاماً مع المزاج الاجتماعي والسياسي، لدى الغالبية العظمى من الشعب. وهي الغالبية التي تبحث عن المشتركات والجوامع والقواسم المشتركة؛ عن القضايا الوطنية الكبرى التي توحّدها، لا على ما يقسّمها ويفرّقها ويضعفها. إلاّ أنّ غياب الخطاب السياسي القادر على تأطير هذه القضايا المشتركة العامة وتحديدها، وترسيم رؤية مستقبلية مشرقة، هو الذي أنتج فراغاً ملأته الخطابات الأخرى التي تتغذى على الأزمة الاقتصادية، والمخاوف المجتمعية، والهواجس الغرائزية.

* هذا وذاك يقودنا إلى أحد أهم الدروس، ويتمثّل في "حالة الجبهة الداخلية" التي تعاني من التمزّق والتفكّك، وتراجع دور الدولة وتضعضع سلطتها الأخلاقية، وغيرها من أمراض كثيرة أضعفت أجهزة المناعة المجتمعية والسياسية، وخلقت لدى الغالبية حالة من القلق والرعب من المستقبل. إلاّ أنّ المشهد الشعبي الجميل المتلاحم بعد الجريمة، يعيد لنا الأمل، ويدفع بنا مرّة أخرى إلى دعوة الشباب والمهنيين والعمّال إلى العمل على تكوين مبادرات مجتمعية إيجابية، لحماية الأخلاق والتعليم والقيم، والمساهمة في تعزيز قيم الديمقراطية والمواطنة والتعددية والتسامح والتكافل الاجتماعي.

* شاركت خلال الأسابيع القليلة الماضية، في ملتقيات شبابية؛ من أبرزها لقاءات مع شباب مبادرة "زمزم"، وقسم الشباب في جبهة العمل الإسلامي، والملتقى الشبابي للتاريخ والحضارة، وهو مبادرة شبابية كبيرة ناجحة تهتم بالمعرفة والفكر، تعقد للمرة الثانية. كما شاركت أيضاً في حوار مع شباب في محافظة إربد، من مبادرة شبابية أخرى، وأخيراً لقاء مع طالبات المدرسة الأهلية للبنات، إحدى أقدم مدارس المملكة وأفضلها. وربما تكون النتيجة الأساسية التي خرجت بها من كل هذه اللقاءات هي أنّ جيل الشباب الجديد يبعث ببوارق الأمل في النفوس. فهو جيل متحرّك، يبحث عن الحلول والآفاق، ويرفض الاستسلام. بدأ يركز على القراءة والمعرفة، ويستفيد من الأخطاء؛ يبحث عن طريق التغيير والخروج من هذا النفق المظلم، ويفتّش عن حلٍّ آخر غير الهجرة والهروب من الوطن.. حلٌّ في الوطن نفسه.

من يظن أنّه قادر على قمع طموح الناس بالحرية والأفضل، فعليه أن يعيد النظر جيّداً في حساباته. وعلى النخب اليائسة المحطّمة من السياسيين، ومن يظنون أنفسهم أوصياء من المعارضين على جيل الشباب، عليهم جميعاً أن يعملوا على إدارة التغيير، لا خنقه، وأن يتركوا الفرصة لـ"الجيل القادم"، وأن يقوموا بدورٍ مساند له.

الغد

أضف تعليقك