"نعمة" اللجان!

"نعمة" اللجان!
الرابط المختصر

إلى الآن تغيب الرواية الرسمية-الحكومية حول ما جرى في مسيرة الكرامة-العودة، باستثناء رواية الأمن العام، وبعض الجمل التي أصبحت معروفة سلفاً لمواقف وزير الإعلام طاهر العدوان. بغير ذلك فإنّ هنالك صمتاً حكومياً واستهتاراً شديداً بمشاعر المواطنين وبأهمية الرأي العام!
كنّا سابقاً نوجّه الانتقادات الشرسة للحكومات المتعاقبة على تشكيل لجان التحقيق، التي لا نرى من نتائجها شيئاً، أو يتم الإعلان عن قرارات ومخرجات، مع مرور الوقت تقوم الحكومات نفسها بدفنها، بعد أن تتأكد أنّ أنظار الرأي العام ذهبت باتجاه آخر، كما هي الحال مع "البلطجية" الذين دانتهم لجنة التحقيق الحكومية في الاعتداء على مسيرة سابقة في المسجد الحسيني.
اليوم، يحسب لإنجازات رئيس الوزراء أنه أراد أن ينبّهنا لنعمة لجان التحقيق، التي كنا لا ندرك أهميتها، بالرغم من ضحالة نتائجها، إذ لم يقم حتى بتشكيل لجنة للتحقيق فيما جرى من انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان وحرية الإعلام في مسيرة الكرامة-العودة، ولا حتى لتهدئة الرأي العام المستفز للطريقة التي تمّ فيها الاعتداء على المواطنين أثناء المسيرة وبعدها!
بالإضافة إلى تكسير زجاج السيارات والاعتداء على كاميرات المصورين والمشاركين في المسيرة، هنالك اليوم شخصان تعرضا لإطلاق رصاص، وأحدهما شاب اسمه جلال الأشقر (21 عاماً)، دخلت الرصاصة من بطنه واخترقت العمود الفقري، ويعالج في المستشفى في حالة حرجة، والشاب الآخر محمد العجوري، ما يزال يتعالج أيضاً.
المدهش أكثر هو رد الناطق الرسمي باسم الأمن العام على سؤال الزميل محمد النجار (الجزيرة نت) بالقول "إن المصابين أفادا بأنهما أصيبا في منطقة الكرامة، وأنهما لم يشاهدا رجال أمن يطلقون الرصاص أو يحملون أسلحة نارية". وأضاف "المصابان قالا إنهما سيدّعيان على المعتدي حال العثور عليه".
لو كان الأمن العام هو الذي أطلق الرصاص لكان الأمر أهون وأقل خطراً، طالما أنّنا نعرف أنه الجهة الوحيدة المخولة (في ذلك المكان) باستخدام القوة، أما أن يكون من أطلق الرصاص هم من الطرف الذي جاء مدّعياً تأييد الدولة، فالمسألة هنا تقتضي جدّية أكبر وتحقيقاً أعمق من الحكومة، ومساءلة من يقف وراء تحشيد مواطنين ضد مواطنين يمارسون حقهم الطبيعي في التظاهر السلمي!
بالأمس حمل البلطجية العصي والحجارة لضرب الناس في المسيرات، واليوم يتطور الأمر إلى تحشيدات ضد هذا الحق الدستوري والقانوني وإطلاق رصاص وإصابات، والحكومة العتيدة لا يرف لها جفنٌ في هذا الاعتداء الصارخ على هيبة الدولة وسيادة القانون ودورها في حماية المواطنين وحقوق الإنسان وكرامته.
ما يحدث، يا دولة الرئيس، خطر جداً، وهو لعب بالنار، وعنوان مقلق لما وصلت إليه الدولة بالاستعاضة عن القانون والقضاء ودورها الطبيعي بالتحشيد والتجميع على أسس عنصرية وبدائية، وتأليب المواطنين على بعضهم.
رئيس الوزراء هو المسؤول، أولاً وأخيراً، عن سلامة أي مواطن وكرامته وحقوقه، ولا يجوز أن يكون طرفاً محايداً ولا خصماً لمواطنين عبّروا عن حقهم السلمي الطبيعي، ولا الصمت على إثارة النعرات الإقليمية والجهوية، بل عليه مواجهتها بقوة وحسم، وأن يكون واضحاً لدى الجميع أنّه من غير المسموح لأحد أن يحتل صلاحيات الدولة ولا أن يعتدي على حقوق الناس.
من اعتدى على الدولة والقانون، وقبل ذلك الدستور، هم من يتهجمون على المواطنين، سواء بالحجارة أو العصي أو الرصاص، وبالشتائم العنصرية، فأين هي رسالة الدولة  فيما يجري؟!

الغد

أضف تعليقك