"نساء الكوتا" يقلبن الطاولة!
فرضت النساء اللواتي حجبن الثقة عن الحكومة (أول من أمس) صورة مختلفة تماماً عن "الكوتا النسائية". ولعلّ لسان حال كثير من المواطنين "لو كانت نتيجة الكوتا بهذا المستوى، فليأتِ المجلس كله بهذه الطريقة، فنتيجتها أفضل من "الصوت الواحد" ودوائره الوهمية"!
المفارقة أنّ ثلاثا من هؤلاء (وفاء بني مصطفى، ميسر السردية، عبلة أبو علبة، تمام الرياطي)، باستثناء عبلة أبو علبة (الأمين العام لحزب حشد)، لسن بنات حالة حزبية معروفة، ولسن ممن خضن التجربة البرلمانية سابقاً. ولعلّ أحداً لم يسمع بحضور سياسي سابق لهن، فما ارتقينا إليه من خطاب جريء في نقاشات الثقة، وقدرة على قراءة الواقع السياسي وتقديم نقد حاد للسياسات الرسمية، هو بمثابة وعي اللحظة الراهنة والجواب الطبيعي على الأزمة السياسية والمجتمعية.
في المقابل، فإنّ ذوي التجربة البرلمانية والحزبية، والمخضرمين الذين أشبعونا حديثاً عن إصلاح البرلمان والحياة الحزبية والسياسية، والذين يأكلون ويشربون "الكلام السياسي" (صباح مساء) لم يرتقوا إلى اللحظة السياسية، وخضعوا لاعتبارات أخرى.
كتلة اليسار الديمقراطي لم تتجاوز توقعاتنا حولها أصلاً، ومنح أغلب أعضائها الثقة، وأثبتت أنّها لن تملأ مقعد المعارضة في البرلمان، مع تحول رهانات أغلب أعضائها من اليسار إلى اليمين، فيما لن تجدي "الصبغة الإصلاحية" في تحريك هذه المربعات الراسخة.
موقف كتلة التيار الوطني لم يتجاوز لحظات الحرد والمشاغبة السياسية، لكن سرعان ما عادت إلى موقعها المتوقع، على يمين الحكومة، ولم تلتزم حتى بمطلبها بتبني الحكومة لأغلب برنامجها، وكانت المفاوضات الأخيرة بين الطرفين مقتصرة على مطالبة الرئيس بتمرير "سطر" في خطابه يشير فيه إلى برنامج التيار، لتبرير منح الثقة!
وعلى المنوال نفسه، بدت كتلة الشعب ومن ورائها حزب الجبهة الموحدة خارج السياق الموضوعي لخطابات الحزب خلال السنوات السابقة.
ربما نجح د. عبد الله النسور والنواب الثلاثة الآخرون الذين حجبوا الثقة في اختطاف الأضواء في خطاباتهم ومواقفهم التي انسجمت مع تلك الخطابات، مع أنّ كثيراً من المراقبين راهنوا بأنّ النسور سيمنح الثقة، بعد خطابه الناري.
على النقيض من ذلك، جاء موقف أغلبية النواب، الذين مارسوا اللعبة المعروفة لدى الرأي العام. لذلك لم يكونوا مقنعين، إذ كان المراقبون ينتظرون مواقفهم الحقيقية – حصرياً- في التصويت على الثقة.
المحك الحقيقي لجلسة الثقة لم يكن في خطابات النواب المعلنة ولا في أدائهم تحت القبة وأمام الكاميرات والإعلام، بل في الغرف الجانبية بمجلس النواب، إذ كان نواب المحافظة يجتمعون بأركان الحكومة يعرضون مطالب محافظاتهم الخدماتية، ومطالب خاصة بمناطقهم الانتخابية، ويحصلون على وعود منها بذلك، ما أثبت عقم القانون الحالي الذي يبقي النائب أسيراً لمطالب خدماتية بعيداً عن الدور التشريعي والرقابي الوطني العام.
بالضرورة مسألة حجب الثقة هذه المرة لا علاقة لها بالموقف من الحكومة الحالية أو أي حكومة أخرى بدرجة أساسية، بل في استعادة صورة البرلمان وهيبته وسمعته، بعد أن وصلت الحضيض خلال السنوات السابقة، جراء القانون المعوّق والتلاعب بنتائج الانتخابات، وتجفيف روافد الحياة السياسية، ما جعل شريحة واسعة من النخب الاجتماعية الجديدة غير مؤهلة سياسياً وثقافياً لتقديم الأداء المطلوب.
اليوم، النتيجة الرئيسة التي عكستها جلسات الثقة تبدو في تكريس المعارضة السياسية خارج القبة، مع بقاء مقعد المعارضة البرلمانية شاغراً، وهو ما يردّ الاعتبار مرة أخرى لحجم الحركة الإسلامية وحضورها السياسي على حساب البرلمان وعلاقته بالقاعدة الاجتماعية.
الغد