نحو تيار ثالث يكسر الثنائية المزمنة
هي ذات الثنائية: "الدولة والإخوان" و"الإخوان والدولة" -لا فرق في الترتيب- التي اعتاد عليها الأردنيون منذ عقود، وأفقدتهم كثيرا من فرص الإصلاح.
بل ويجازف الطرفان بمستقبل البلد وجره للهاوية!خطورة الثنائية أنها، وللأسف، عملت على إجهاض أي محاولة لظهور قوة ثالثة تحدث التوازن المطلوب في الشارع، وتضمن التعددية السياسية الصحية، ما أهّل الفريقين، حكومة وإسلاميين، لاقتسام الشارع، واستخدامه وتجييره كل لمصالحه.
الدولة من ناحيتها طالما لجأت لأدوات معروفة لتقسيم المجتمع تبعا لمصالحها.
ووفر لها النجاح هنا التحالف التاريخي مع الإسلاميين الذي استمر عقودا طويلة، أجهضت خلالها كل محاولات التيارات السياسية الأخرى للنهوض. وظلت الأحزاب مشرذمة ضعيفة، غير قادرة على حجز مكانها بحيث تكون مؤثرة في اللعبة السياسية.الدولة، من حيث تدري أو لا تدري، قسمت المجتمع أفقيا تبعا للأصول والمنابت.
وكانت هذه الطريقة فعالة في قتل كل مطالب الإصلاح والتغيير؛ فالأردنيون شعب يقدر عاليا الأمن والأمان، ويقدمهما على الإصلاح؛ فلماذا الفوضى والخراب اللذان عملت الحكومات على استحضارهما كلما شعرت بأزمتها مع الإسلاميين؟القواعد الشعبية للدولة، وفقا لمؤشر التسجيل للانتخابات، قد تبلغ حوالي 2.5 مليون نسمة، وهو رقم كبير، استطاعت الدولة الوصول إليه في نحو شهرين، بشتى الطرق والأساليب، بيد أن السؤال المهم: كم من هذا الجمهور يثق بقدرات الدولة على تحمل مسؤولياتها تجاههم؟ الجواب بسيط؛ فإذا افترضنا أن غالبية هذا الجمهور غير مسيس، وما يزال يظن أن المعارضة للحكومات عدو للوطن ومعارضة للملك، وهو كلام عار عن الصحة، فإن الواقع يفترض أن هذه القواعد نفسها ستكون أكثر حنقا من المعارضة مع منتصف كل شهر، ولربما أكثر غضبا من المعارضة عند الحديث عن ملفات الفساد التي طويت دون أدنى تفكير في تبعات ذلك.قواعد الإسلاميين سنعرفها تماما يوم غد، في مسيرة الجمعة التي بدأ التحضير لها منذ أسابيع وسط تفاوت في تقديرات المتابعين.
إذ يقدر بعض المحسوبين على التيار الإسلامي أن يفوق عدد المشاركين الخمسين ألفا، وربما يصل 100 ألف؛ فيما يرى مراقبون مقربون من الإسلاميين أن العدد لن يتجاوز العشرين ألفا في أحسن تقدير.الثنائية حكمت، بتفاوت، العلاقة بين الدولة والإسلاميين تبعا للأجواء العامة والمصالح، لكن ما من شك أنه كما كان للدولة محاولات لإجهاض الحياة الحزبية تاريخيا، وتفتيت الحراك الشعبي خلال العامين الماضيين، فإن دور الحركة الإسلامية لم يقل عن ذلك لناحية محاولة السطو على الحراك بدلا من دعمه ليكون نواة لتيار ثالث يكون إصلاحيا، وإن برؤية مختلفة.
وخلال الفترة القصيرة الماضية، عادت الثنائية لتظهر من جديد، لكن هذه المرة بتجل مختلف، وبدرجة مقلقة حد الخوف على البلد.
إذ وصل الخلاف بين الطرفين حد اللعب بأمن البلد واستقراره.ويبدو جليا أن حسابات الطرفين مختلفة هذه المرة؛ فالدولة تصعّد بشكل غير مدروس العواقب، والإسلاميون لا يقلون تطرفا عنها. وفي الوقت الذي تؤشر الحكومة لإمكانية غياب الأمن عن المسيرة، وفي هذا تنصل من مسؤولية وواجب حماية حق التعبير، نجد الإسلاميين يحضرون سيارات الإسعاف، وكأنهم ذاهبون لساحة معركة.
وبين صراع الطرفين ضاع الشارع الخائف أصلا على المستقبل، والذي ما يزال الطرفان يستخدمانه وقودا لصراعهما، دون أدنى حساب لما يريد الشارع وما يفكر فيه.أغلب الظن أن اللعبة بين الطرفين لن تحسم، وسيبقى البلد في كر وفر إلى حين ظهور تيار ثالث كان يضيع دوما في الصراع الثنائي. وهذا التيار هو المتضرر من الثنائية التي ضيعت في حمى تنافسها فرصة قيام دولة مدنية عمادها المواطنة والقانون والعدالة والمساواة.
خسر الأردن دوما من هذه الثنائية، وها هو يفقد المزيد بشرذمة الحراك المؤهل لكسر تلك الثنائية طويلة المدى.
الغد