نحن وسوريا

نحن وسوريا
الرابط المختصر

العلاقة الأردنية السورية نموذج من نماذج العلاقات العربية - العربية، حيث شهدت مراحل توتر وترقب وأحياناً تآمر، ووصلت في أقصاها السلبي إلى حشود عسكرية، وفي الاتجاه الايجابي إلى أن نغني معاً «شعب واحد لا شعبين»، ووحدنا المناهج وكنا في مسار وحدة، لكنها كعلاقة عربية انقلبت إلى حملات إعلامية واتهامات، لكن في ظل كل تلك المتناقضات بقيت علاقة جوار، وكان التداخل الاجتماعي عميقاً، والتعاون والتعامل الاقتصادي كبيراً.

وفي عهد جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس بشار الأسد شهدت العلاقة تطوراً نوعياً على صعيد العلاقة المباشرة بين الزعيمين أو على الصعيد السياسي رغم التباين في المواقف حول قضايا ومفاصل ومحاور الإقليم.

لكن الأردن بقي دائماً حريصاً على علاقة ايجابية والأسباب معلومة للجميع، ولم تنجح حتى الخلافات على قضايا ثنائية مثل المياه والحدود في إضعاف هذا الحرص، وبقيت الأمور ضمن معادلة واضحة حتى كانت الأزمة السورية.

وعندما جاءت الأزمة كانت محاولة القيادة الأردنية تقديم النصح الأخوي، لكن المحاولة الأردنية ليست ملزمة للأشقاء، وتطورت الأمور لكن الأردن لم يتعامل مع الأزمة السورية بعقلية انتهاز الفرص أو البيع والشراء، وبنت الدولة موقفاً سياسياً وإنسانياً وعسكرياً واضح المعالم يقوم على حماية مصالحه الوطنية أولاً، كذلك الابتعاد عن الشأن السوري وعدم التورط بتفاصيله، وكان هذا موقفاً مكلفاً في ظل تحالفات واستقطابات المنطقة، كما حمل الأردن عبء الموقف الإنساني باستضافة أكثر من ( 1.3) مليون شقيق سوري بكل ما يعينه هذا من أعباء.

وقيمة الموقف الأردني يعرفها أي متابع عندما يرى الأذى الذي لحق بالدولة السورية من تعامل مختلف من دول حدودية أخرى مثل تركيا، وماذا سيكون الحال لو فعل الأردن مثل تركيا.

وحتى العراق الذي تقف حكومته إلى جانب النظام السوري فإن حدودها كانت مورداً رئيساً لدخول مقاتلين ضد النظام السوري.

والأزمة الخانقة التي صنعها الوضع السوري يعرفها النظام السوري وهو الذي دفع سلاحه الكيماوي ثمناً لتجنب ضربة عسكرية أمريكية، أي استجاب للضغوط، وهذه الضغوط كانت في كل زوايا الملف السوري والثبات على جوهر المواقف ليس أمراً سهلاً.

والأردن الدولة الوحيدة التي تبنت فكرة الحل السياسي منذ بداية الأزمة وحتى اليوم، ونحن الدولة التي حذرت من تحويل سوريا إلى بؤرة للتطرف والتكفير، ونحن الدولة التي كانت واضحة في رفض تقسيم سوريا أو إدخالها في فوضى وغياب الدولة.

والأردن لم يغلق السفارة السورية في عمان وأبقاها خدمةً للشعب السوري ورسالة سياسية بأننا دولة لا تريد لسوريا أن تذهب نحو تفكيك المؤسسات بل الحل في مسار سياسي يحقق للسوريين توافقا على شكل المستقبل.

وحتى حكاية التسلل عبر حدودنا فإن التيار السلفي والعالم كله يتابع عشرات القضايا في محكمة أمن الدولة للمتسللين، وواجب حماية الحدود مشترك وتتحمله الدولة السورية أيضاً، وكما قلت فإن العراق المتضامنة مع نظام بشار مورد رئيسي لمقاتلي القاعدة، فضلاً عن تركيا وحدودها ومعسكرات التدريب فيها.

الأردن حسم خياره منذ بداية الأزمة بأنه ليس طرفاً فيها، وغايته حل سياسي يحفظ لسوريا استقرارها ووحدتها، فنحن من أكثر المتضررين من استمرار الأزمة هناك.

لكن الأردن عمل منذ البداية على حماية مصالحه، وهو يدرك الأثمان التي دفعتها دول عديدة، لهذا فالأولوية أمن الأردن والأردنيين، وهو لا يريد الإنجرار إلى انغماس في الأزمة السورية، ولا يسمح أيضاً بأي أذى من أي طرف للدولة الاردنية، والجميع يعلم مقدار الحزم الأردني في الثبات على جوهر موقفه، لكن حزمه أكبر بكثير في حماية أمن الأرض والإنسان الأردني من أي تبعات لتلك الأزمة.

الحكمة الأردنية التي كانت لمصلحة فكرة الدولة السورية ولوقف استنزاف الدم السوري، لا يجوز إلا أن تجد من كل الجهات ابتعاداً عن أي خطاب غير مناسب، فالأردن لم يتلوث بهدر الدم السوري، بل وفتح كل أبوابه لخدمة الأشقاء في محنتهم.

الرأي