مواطنون غير صالحين

مواطنون غير صالحين
الرابط المختصر

ثمة أمثلة كثيرة على غياب العدالة في توزيع العبء الضريبي، وضعف الرقابة على المتهربين من الضرائب، وتحديدا من ذوي المداخيل المرتفعة جدا.

ومن النماذج الصارخة على التهرب الضريبي ذلك الطبيب الذي يجري نحو 250 عملية جراحية، ويتقاضي مقابل كل واحدة مبلغ 500 دينار، ودخل صديقنا الشهري يتجاوز 125 ألف دينار شهريا.

والمفارقة أن النطاسي البارع لا يدفع فلسا لدائرة ضريبة الدخل، فيما يخضع أفراد ومؤسسات لذلك.

وفي مجتمعنا حالات كثيرة من هذا النوع، يتهربون من دفع ما عليهم في دولة تعتمد في معظم مواردها على الضرائب.

والتهرب من دفع الضرائب يعود لأكثر من سبب، أهمها استقرار قناعة راسخة في عقول البعض بإمكانية التحايل على القوانين، ضمن قناعات فكرية لا تؤمن أبدا أن الالتزام بدفع ضريبة الدخل وتحديدا من المقتدرين ما هو إلا تعبير عن مواطنة صالحة، وواجب يلزم الوفاء به.

باتت كلمة ضرائب تؤرق الأردنيين، لمعرفتهم التامة أن العبء الضريبي يفرض على مداخيلهم يوما بعد يوم.

وتشير دراسات إلى أن معدلات الضريبة التي يتكلفها الأردنيون هي الأعلى على مستوى المنطقة، مقارنة بمستوى الخدمات الأساسية المتواضعة التي يحصلون عليها.

وتبلغ قيمة الايرادات المحلية حوالي 4.8 بليون دينار، معظمها من الضرائب والرسوم الجمركية، وتشكل ما يزيد على ثلاثة أرباع الموازنة العامة المقدرة قيمتها بحوالي 6.2 بليون دينار، حيث تشكل الايرادات المحلية 23 % من الناتج المحلي الإجمالي.

ولهذا الرقم أكثر من معنى وتفسير، فهو من ناحية يعبر عن سعي وإرادة في تحقيق الاعتماد على الذات، وتخفيف الارتكاز على المنح الخارجية ذات الأبعاد السياسية من موازنة الدولة.

أما النصف الآخر من المشهد والذي يعبر عنه تصنيف هذه الضرائب، التي تتركز معظمها في الضرائب غير المباشرة وتحديدا ضريبة المبيعات وقيمتها نحو 2.4 بليون دينار، فتعكس محدودية التخطيط والتفكير في تنويع مصادر تمويل الخزينة بعيدا عن الضريبة غير المباشرة.

والضرائب المباشرة والتي تعكس إعادة توزيع الثروات والمتمثلة بضريبة الدخل، فما تزال ايراداتها ثانوية ولا تتجاوز 720 مليون دينار.

والمشكلة في التركيز على ضريبة المبيعات، والتي تقدر نسبتها العامة بحوالي 16 %، أنها تستنزف مداخيل الأفراد وتحديدا محدودي الدخل، ولا تعكس عدالة في توزيع هذه الضرائب، إضافة إلى أنها تكشف تدني مستويات ضريبة الدخل وضعف حيلة الأجهزة المعنية في جباية أموال ضريبة الدخل، ممن تستحق عليهم تحقيقا للعدالة.

الحكومة أعلنت غير مرة أن العام الحالي لن يتضمن فرض أي ضرائب جديدة، وهذه بشرى سارة وتحديدا عقب صدور نتائج دراسة الطبقة الوسطى، التي أكدت المعطيات أنها عرضة للتقهقر والانحسار نتيجة أي قرار يفرض التزامات جديدة على أسر هذه الشريحة التي تعاني أصلا من فجوة تصل نسبتها إلى 5.3 % بين إجمالي دخلهم ونفقاتهم.

والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وصون الأمن الاقتصادي، يتطلب البحث عن الجهة الأخرى من المعادلة والمتمثلة بمعالجة التهرب من أشخاص مقتدرين ماليا ويتمتعون بنفوذ لا حدود له.

الغد