موازنة 2015: أين الإصلاح؟

موازنة 2015: أين الإصلاح؟

بعد سنوات ظننا خلالها أن الحكومات دفنت "الأجندة الوطنية" ووثيقة "كلنا الأردن"، يأتي تعميم وزير المالية د. أمية طوقان، لتذكيرنا بوجودهما، داعياً الوزارات والمؤسسات العامة إلى تحديد النفقات وضبطها، واعتماد مبدأ إرفاق دراسات الجدوى، تطبيقا لما جاء في هاتين الوثيقتين.

الغريب في التذكير أنه يأتي في زمن تعكف الحكومة فيه على إعداد خطة اقتصادية تنفيذية للأعوام العشرة المقبلة؛ فكان يُفترض أن تُبنى موازنة العام المقبل تبعا لمعايير وأهداف الحكومة المستقبلية، وليس تنفيذا لمبادرتين دفنتا منذ زمن، إذ يتجنب المسؤولون حتى ذكرهما، ناهيك عن الدعوة إلى تطبيقهما.

ولعل المفيد أن تعميم وزارة المالية يذكرنا بالكيفية التي تم التعامل وفقا لها مع عمل جماعي لم نر منه إلا أطنانا من الورق، زاد وزنه بشكل أكبر مع مرور السنين لكثرة ما تراكم عليه من غبار؛ نتيجة غياب العمل المؤسسي والتراكمي لدى الحكومات. فاليوم، نتذكر كيف أُهملت الخطط والأجندات، لنعود في كل مرة إلى المربع الأول بتشكيل لجان لوضع خطة قديمة-جديدة. وقد دعم ذلك كثرة التغييرات الحكومية التي نطقت جميعها بتعهدات ووعود لم تكن أهلاً لها.

السؤال الجوهري إذن: كيف تضمن الحكومة أن تكون خطتها التي تبنيها اليوم، قابلة للتنفيذ بعد مغادرتها "الدوار الرابع"؛ أم ستقبع خطة السنوات العشر على الرف إلى جوار شقيقتيها السابقتين، ضمن خطط كثيرة أخرى لم تر النور؟

ثم إن الحكومة الحالية برغم تعميمها المتعلق بموازنة العام المقبل، لا تطبق هي ذاتها ما جاء في الوثيقتين المذكورتين. فالإصلاح المالي المقترح في كلتيهما لا يُطبق في بناء الموازنات منذ سنوات طويلة؛ إذ ما يزال مبدأ ضبط النفقات وتقليص حجم القطاع العام حبرا على ورق، وتنظيرا لم ينعكس على أرقام الموازنة التي تنمو عاما بعد عام، وصولاً إلى مستويات لا تنسجم أبدا مع الإمكانات المحلية.

بقراءة أولية للخطوط العريضة لأرقام موازنة العام 2015، نكتشف أن الإصلاح مؤجل، فيما التركيز فقط على النسب وليس الأرقام المطلقة؛ فما يهم الحكومات، مثلا، تخفيض العجز كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وليس كرقم مطلق.

كذلك، نكتشف أن القرارات الصعبة التي اتخذتها حكومة د. عبدالله النسور في العامين الماضيين؛ من تحرير لأسعار المشتقات النفطية، وزيادة أسعار الكهرباء بنسب تصل إلى 30 %، لم تنعكس على الأرقام، وإنما العكس! فقيمة الوفر المتحقق من وقف الإنفاق على دعم المحروقات والكهرباء، لم تظهر عمليا في الهيكل العام للموازنة.

وفي بند الإيرادات المحلية، والتي يظهر أنها سترتفع في العام المقبل، فإن من المهم التوضيح ما إذا كانت المؤشرات الرئيسة قد بُنيت على القانون الجديد للضريبة والموجود اليوم بين أيدي النواب، أم لا. فالإجابة عن هذا التساؤل ستوضح ضمنيا حجم الأعباء الجديدة التي ستستنزف جيوب المواطنين الذين يرهقهم العبء الضريبي المرتفع مع ثبات المداخيل.

الخطير في الوضع المالي هو المديونية التي تتصاعد من دون ضوابط، وتكاد تتجاوز قيمة 20 مليار دينار، مع فوائد سنوية مترتبة عليها تقدر بحوالي 1.1  مليار دينار، إضافة إلى موعد مستحق في العام المقبل لإطفاء سندات "اليورو بوند" وقيمتها 531 مليون دينار.

ثمة مسألة جوهرية يلزم الالتفات لها، تتعلق بالوضع الإقليمي المتهلب، وتحديدا في العراق وسورية، وتأثير ذلك على نمو الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015، فالصادرات إلى العراق، التي قدرت العام الماضي بحوالي 884 مليون دينار، ستنزلق، بما يؤثر سلبيا على عجزي الميزان التجاري وميزان المفوعات، فهل أخذت المتغيرات الخارجية بعين الاعتبار؟

لا بد من التنبه مبكراً إلى أن موازنة العام المقبل لم تحمل أي ملامح إصلاحية، لاسيما فيما يتعلق بالدين العام الذي يُعدّ المؤشر الأخطر اليوم على حال الاستقرار المالي والنقدي في البلاد، والذي كان تخفيضه هو الوعد الأهم الذي قطعته لنا حكومة د. النسور، تبريراً لقراراتها الصعبة التي مست متطلبات عيش المواطنين مباشرة.

الغد

أضف تعليقك