من يعلّق الجرس؟

من يعلّق الجرس؟
الرابط المختصر

 

يقال في مجال الصحافة الإذاعية والتلفزيونية إن أفضل المقابلات هي تلك التي تجري في غرفة الانتظار قبل أو بعد لقاء صحافي علني مباشر. فما يقوله المسؤول أو الخبير قبل أو بعد المقابلة يختلف، وأحياناً يعارض تماماً، ما يتم قوله على الهواء.

أذكر مرّة كنا قد رتبّنا مناظرة حول التعديلات الدستورية، وبعد المناظرة تحدّثت مع المسؤول الحكومي الذي كان يدافع بقوة عنها. لكن بعد إطفاء الكاميرات وإغلاق الميكرفون، قال المسؤول نفسه لي إنه "تمّ فعلاً سلق التغييرات وكان من الأفضل إعطاء المواطنين الحق في مناقشتها قبل إقحام مجلسي النواب والإعيان بإقرارها في فترة قياسية".

الأمر ذاته يحدث في العديد من المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لماذا هذه المراءاة؟ لماذا التعامل بوجهين مختلفين؟ ولماذا نفتقد الشجاعة في قول كلمة حق؟

لقد طبّلنا وزمّرنا –بحقّ- لما قالته وما فعلته الدكتورة ريما خلف، حين رفضت الضغوط عليها لسحب تقرير يدين سياسات "إسرائيل" العنصرية وينعتها بالأبارتايد وهو ما يعتبر جريمة حرب. لكن أين أمثال ريما خلف في مجتمعنا؟ أين هم النواب والوزراء المدافعين عن الحقوق، والذين يقدّمون لنا الخطاب الرنّان في رفض الموازنة أو الثقة ثم يصوّتون خلافاً لأقوالهم؟ أين هم المسؤولون الذين يقولون أموراً كثيرة ومثيرة ومهمة في صالات الانتظار في حين يرفضوا التطرّق إليها عندما يُفتح المايكرفون ويبدأ البث والتصوير؟

الكلّ يتهرّب من اتخاذ الموقف، لأن مجتمعنا والمسؤولين لدينا لا يرحمون من يعبّر عن موقف شجاع إلاّ إذا كان في مسألة متفق عليها. أما النقد الذاتي وقول كلمة حق بشأن مسؤول أو وزير أو رئيس وزراء فهناك ثمن يتمّ دفعه سياسياً أو مالياً، وعلى الشجاع أن يكون مستعدّاً لدفع الثمن.

المطلوب اجتماعياً هو خلق مظلّة تحمي هؤلاء المسؤولين من سخط وعقاب من هم في السلطة، والذين قد لا يرتاحون لبعض الأقوال. تلك المظلّة يجب أن تكون على عدّة مستويات، منها المستوى المادي فهناك من يتردّد في قول الحق أمام السلاطين خوفاً من خسارة وظيفته ولقمة عيش عائلته.

وهناك ضرورة لتوفير مظلّة فكرية تحمي أولئك الشجعان من وابل الاتهامات والافتراءات التي تُكال ضدّ كلّ من يقول الحق، غالبها، بتحريك من السلطة.

هل يمكن توفير هكذا مظلّة تدافع عن هؤلاء الاشخاص في المواقع والصحف والصالونات السياسية، أم على الجميع أن يختبئ ويهرب من الاستحقاق خوفاً على وظائفهم وامتيازاتهم. إنها حلقة مفرغة إذا لم نجد من هم على استعداد لكسر الدائرة وتعليق الجرس.

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

أضف تعليقك