من يضمن نزاهة الانتخابات والحكومة خارج المطبخ؟
بعد طمأنة رئيس الحكومة بأنها مصابة ب¯"عمى ألوان" يحول دون ومضات خضراء أو حمراء تعكس رضاها عن المترشحين أو عرقلة طريقهم إلى المجلس النيابي, ترتسم في الأفق معالم مجلس ضبابي يفرزه قانون إشكالي عماده صوت واحد في دائرة وهمية واحدة لمقعد واحد, يركّز على الإجراءات المرافقة لعملية الانتخاب دون المساس بجوهرها.
لكن من يضمن إجراء انتخابات نزيهة بوجود مراكز قوى موازية في مطبخ الانتخابات, تنذر بتكرار تجربة .2007
المترشحون بدأوا حراكهم لكن ببطء, بخلاف الزخم الذي سبق حملات الانتخابات الأخيرة. قانون الانتخاب يعظم فرص عودة مرشحي الإجماع العشائري والعائلي, التيار الإسلامي المنظم, أصحاب المال السياسي والنفوذ الاجتماعي-السياسي, ووجوه جماهيرية قادرة على جذب مقترعين في مناطق جغرافية مغلقة.
وتبدو العودة مضمونة لغالبية الوجوه المكررة التي تحولت إلى مفاتيح للتعامل مع مجلس النواب, بعضهم يحتل مقعده منذ استئناف مسار الديمقراطية عام .1989
اليوم يتحرك مرشحون لعقد صفقات سياسية قد تحل مكان نقل الأصوات وشرائها التي جرمّها القانون الجديد على أمل استعادة الثقة بالأدوات الديمقراطية وبناء مجلس سياسي قادر على ممارسة دوره التشريعي والرقابي. الكل يتذكر كيف مسّت عمليات بيع, شراء ونقل الأصوات نزاهة الدولة وأفرزت مجلسا خالي الدسم تحّول إلى عبء على الدولة. وخلال السهرات الرمضانية المقبلة سيتعرف الأردنيون على المزيد من "مترشحي الصفقات".
عدد منهم شرعوا في "مفاصلة" منافسيهم بهدف التوصل لتفاهمات استباقية على الدوائر الوهمية تمهيدا لتقاسمها حين يتوجه الناخبون إلى الصناديق صبيحة التاسع من تشرين الثاني. ولم لا? فالقانون المؤقت منحهم أدوات التحرك المطلوبة وشجع على ترسيخ عملية احتكار سياسي بموجب نظرية العرض والطلب لتوزيع المغانم قبل خوض المعركة.
وهكذا بدأ تقسيم كعكة المجلس. فهيمنت عقلية الصفقات والمساومة مكان التنافس الشريف.
النواب الأقوى, ومنهم جماعة "العيار الثقيل" إياهم سيضمنون حصتهم من الأصوات قبل أن يقرروا تجيير فائضها لمناطق أخرى في الدائرة ذاتها لمساندة من يشاطرهم الرأي أو الموقف.
قبل أيام تحدث أحدهم أمام حشد من مناصريه قائلا: "أنا قادر أن أحسم أمر الدوائر الوهمية لمصلحتي إذ لن يكون لي أي منافسين في المنطقة التي سأترشح عنها وسأوزع سائر الأصوات التي أمون عليها على مرشح آخر". هذه التوليفة وتبادل المصالح تشي بأن الكتل النيابية القادمة ستتشكل على قاعدة تبادل المصالح والمنافع!
نوع ثالث من المترشحين مسلحين بحد ادنى من الأصوات المضمونة, لكنهم غير قادرين على الصمود في وجه الأقوياء. هؤلاء سينسحبون تدريجيا من "العرس الديمقراطي" ربما لقاء مبلغ محترم من المال واتفاق سري على تجيير أصوات من "يمونوا عليهم" لمصلحة المرشح الأقوى الذي سيدفع أكثر. بالطبع سيستغل الطرفان ظروف الناس المعيشية الصعبة وحاجتهم للمساعدة المادية ما يمهد لطغيان المال السياسي من جديد.
اذا, سيلعب على مسرح العملية الانتخابية "حيتان" يدعمهم "أشباه حيتان" ومجموعة وسطاء ستمارس عملية بيع النفوس المضمونة مقابل تعويض مجز.
ستتكرر لعبة المساومات هذه عندما تحسم جبهة العمل الإسلامي أمر المشاركة في الانتخابات خلال أسابيع. قبل أيام عقدت الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين, جولة تشاورية أولى لبحث مشاركتها في عملية انتخابية وعدت الحكومة بأنها لن تعقد فيها أي صفقة مسبقة مع الإخوان أو مع غيرهم.
خلال العقد الماضي كانت الحكومات ومراكز القوى تبحث عن تفاهمات ضمنية مع الإسلاميين وغيرهم من قوى المجتمع ضمن ما بات يعرف بالضوء الأخضر. لكن في الاقتراعين الأخيرين منذ مطلع العقد الحالي, استخدمت السلطات ضوءا أحمر لتكسير فرص مترشحي التيار الإسلامي.
ثمّة أمل اليوم في أن يشارك الإسلاميون المنقسمون في العملية الانتخابية لتنويع الحياة السياسية وهم بلا شك سيتكتلون في اسناد شخصيات مستقلة في البلاد, مستغلين هلامية الدوائر الوهمية. يستفيد مترشحو الجبهة من الاعتماد على قاعدة ناخبين ثابتة موالية في معاقل مغلقة أمام منافسيهم. وسيرحلون سائر الأصوات المؤيدة لمترشحين مستقلين يتقاطعون معهم في الموقف السياسي, الاجتماعي والاقتصادي.
هناك فئة رابعة تضم وجوها جديدة تتحرك لتخلق انطباعات بأنه طلب منها خوض معركة الانتخابات لكي تجلس على كرسي رئاسة مجلس النواب بعد أن تنجح في تشكيل كتلة. نزولها المفاجئ ترافق مع بدء إطلاق بالونات اختبار حيال نجاحها المضمون ما يظهر تحيز رسمي بدأ يخلق ردة فعل مغلفة بالمرارة بين نواب سابقين من العيار الثقيل ممن يرغب بالجلوس على مقعد احتله عبد الهادي المجالي لثماني دورات آخر خمس منها على التوالي, قبل أن يدخل مجلس الأعيان عقب حل المجلس النيابي أواخر العام الماضي.
مترشحون أقوياء قد يتساءلون: "لماذا يضمن المقعد لهذا المرشح أو ذاك وليس لي بعد أن أخلى الباشا أبو سهل موقعه"? يتبعون هذا التساؤل بكلام ينم عن أنهم سيقاومون رئيس مجلس النواب المتوقع لأنه من خارج "نادي الاحتياط" الاستراتيجي.
بالتزامن, تشهد المقرات العشائرية والجمعيات والدواوين العائلية تحركات يومية نشطة بهدف الاتفاق على مرشح إجماع. لا تخلو الصحف اليومية من دعوات عشائرية وعائلية موسعة للاتفاق على مرشح توافقي. عشائر أخرى أنهت آلية تزكية مبكرة وأعلنت اسم مرشح "الإجماع" وسط تبادل "شكر وتقدير" بين أبناء العشيرة على اختيارهم أو تسميتهم.
ذلك يعني أن المجلس المقبل سيكون نسخة شبيهة للمجلس الذي حل فجأة مع فارق أن الحكومة والجهات الأمنية تؤكد ليل نهار أنها لن تعطي الضوء الأخضر لسين أو صاد من المرشحين امتثالا لطلب صانع القرار الأول.
بعد أن اهتزت أسس التنافس الشريف ما يعتبره ساسة تأثيرا مسبقا على نزاهة الانتخابات, تطرح تساؤلات عن الجهات التي ستضمن حسن تطبيق الوعود الرسمية بعدم التدخل? ومن سيمارس دور الرقابة.
بالتأكيد ستقف وسائل الإعلام المرعوبة غالبيتها على أقصى اليمين. فحكومة سمير الرفاعي نجحت إلى حد كبير في حشد الإعلام, رسمياً ومستقلاً, إلى جانبها, إعلاماً يروج لنزاهة الإجراءات الحكومية قبل ثبوتها, لكنه, مثلا, لا يقوم بكشف سلسلة الإجراءات البيروقراطية القاتلة التي تصاحب عملية تسجيل الناخب الجديد. فذلك قد يعد نقداً من باب المناكفة غير المهنية وليس من باب تسليط الضوء على ثغرات هنا وهناك لتحسين العملية السياسية. غالبية الصحف اليومية لا تنشر أي بيانات صحافية لشخصيات لها وزن في المجتمع قد تنتقد القانون الجديد وبالتالي تعكس صورة وردية بعيدة عن الواقع. في المقابل تنشر يوميا تصريحات الناطق الرسمي باسم الانتخابات أو الوزراء المعنيين حيث يناشدون المواطنين تسجيل أصواتهم. ويتساءل البعض عمن سيكسر حاجز الصمت ويعلق الجرس في حال ارتكبت أي مخالفات قبيل أو أثناء عملية الاقتراع.
هذه الضبابية تترك الباب مفتوحا أمام رقابة المركز الوطني لحقوق الإنسان والهيئات المساندة في رصد المخالفات أثناء تسجيل الأصوات وتثبيت الدوائر الانتخابية, وما قد يحدث قبل يوم الاقتراع وصبيحة يوم الانتخاب كمرحلة الفرز وإعلان النتائج. كذلك سيشارك رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي بمشاهدة أو "رصد" العملية الانتخابية لكن ليس ل¯ "المراقبة" بعد أن دعي رسميا. وتجرى اتصالات رسمية لدعوة رئيس البرلمان الأوروبي ورؤساء اللجان المعنية بحقوق الإنسان والمرأة هناك. وقد يحسم القرار قريبا بدعوة منظمات دولية تعنى بحقوق الإنسان والعدالة ل¯ "رصد" الانتخابات, لكنها قد لا تقبل إذا لم يضمن لها حق التكلم في حال حدوث خروقات ما أو اتخاذ موقف مع أو ضد قضية معينة في الانتخابات.
فشركاء الأردن في الخارج ينتظرون بفارغ الصبر نتائج الانتخابات بعد أن عبروا عن تفهمهم للموقف الرسمي الذي سوّق ضرورات وإيجابيات القانون المؤقت وشدّد على التزام المملكة بعملية إصلاح سياسي متدرج قائم على تحقيق الحد الأدنى من العدالة والنزاهة والشفافية, بما يعطي تمثيلا متكافئا لمكونات المجتمع.
فهل تشكل الانتخابات نقطة تحول باتجاه ترجمة الوعود إلى أفعال, أم استمرار لطاحونة الإصلاحات الموعودة دون نتائج?