من يضمن استقرار الأردن؟
يعتمد اﺳﺘﻘﺮار أي ﻧﻈﺎم ﺳﯿﺎﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﻮاﻣﻞ داﺧﻠﯿﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﺎس، إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺷﺒﻜﺔ اﻟﺘﺤﺎﻟﻔﺎت اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ
واﻟﺪوﻟﯿﺔ. ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺒﻠﺪ ﻣﺜﻞ اﻷردن، ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ھﻲ اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺤﺎﺳﻢ ﻓﻲ ﺿﻤﺎن اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﺪاﺧﻠﻲ،
وﺗﺠﺎوز اﻷزﻣﺎت اﻟﺼﻌﺒﺔ اﻟﺘﻲ واﺟﮫﮫﺎ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ. ﻓﻲ أﺣﺪاث اﻟﺴﺒﻌﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﻨﺼﺮم، ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﻻﻳﺎت
اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻋﻠﻰ وﺷﻚ اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺎم، ﻏﯿﺮ أن ﺻﻤﻮد اﻟﻨﻈﺎم وﻧﺠﺎﺣﻪ ﻓﻲ ﺣﺴﻢ اﻟﻤﻮاﺟﮫﺔ، ﻓﺮض ﻋﻠﻰ
واﺷﻨﻄﻦ ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﻣﻮﻗﻔﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻷﺧﯿﺮة.
ﺑﻌﺪ ﺣﺮب اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻷوﻟﻰ اﻟﻌﺎم 1991، واﺟﻪ اﻷردن ﺣﺼﺎرا ﺳﯿﺎﺳﯿﺎ واﻗﺘﺼﺎدﻳﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻣﯿﺮﻛﻲ، وﻗﻄﯿﻌﺔ
ﺧﻠﯿﺠﯿﺔ ﺗﺎﻣﺔ. رﻏﻢ ذﻟﻚ، ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ أن وﺟﻮده ﻣﮫﺪد، ﻧﻈﺮا ﻟﺘﻤﺎﺳﻚ اﻟﺠﺒﮫﺔ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ.
ﻣﻨﺬ اﻧﻄﻼق ﻣﻮﺟﺔ اﻟﺘﻐﯿﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ، أو ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬي طﻮى ﻟﻐﺎﻳﺔ اﻵن أرﺑﻌﺔ ﺣﻜﺎم
ﻋﺮب، أﺻﺒﺢ اﻟﺴﺆال ﻋﻦ ﻗﺪرة ﻛﻞ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻤﻮد ﻣﻄﺮوﺣﺎ ﺑﻘﻮة. وﻣﻊ ذﻟﻚ، ﻛﺎن اﻟﺸﻌﻮر ﻟﺪى
اﻟﻐﺎﻟﺒﯿﺔ اﻟﺴﺎﺣﻘﺔ ﻣﻦ اﻷردﻧﯿﯿﻦ ﺑﺄن اﻷردن، وﻻﻋﺘﺒﺎرات داﺧﻠﯿﺔ، ﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﺘﻐﯿﯿﺮ اﻟﺜﻮري؛ ﺑﯿﻨﻤﺎ -وھﺬه
اﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ- ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻠﯿﻼت اﻟﺪول اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ اﻟﺤﻠﯿﻔﺔ ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻷردﻧﻲ ﻻ ﺗﺴﺘﺜﻨﯿﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻐﯿﯿﺮ، ﻻ ﺑﻞ إن ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺮاﻛﺰ
اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ وﺿﻌﺘﻪ ﻋﻠﻰ رأس اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ.
رﻏﻢ ﻗﻨﺎﻋﺔ اﻟﻜﺜﯿﺮﻳﻦ اﻟﯿﻮم ﺑﺄن اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ھﻲ اﻟﺘﻲ أھﻠﺖ اﻷردن ﻟﺘﺠﺎوز ﻓﻮﺿﻰ اﻟﺘﻐﯿﯿﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﮫﺪھﺎ
دول ﻋﺮﺑﯿﺔ ﻋﺪﻳﺪة، إﻻ أن اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﺗﺮاھﻦ ﺑﺸﻜﻞ أﻛﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﺎﻟﻔﺎت اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ. وﺑﺪأت ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺑﺸﻜﻞ
أﻛﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ، ﺑﻜﻞ أﺷﻜﺎﻟﻪ، ﻟﺘﺄﻣﯿﻦ اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﺪاﺧﻠﻲ.
ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻻﻗﺘﺼﺎدي، ﺗﺰاﻳﺪ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮوض واﻟﻤﺴﺎﻋﺪات، إﻟﻰ درﺟﺔ ﺑﺎت ﻣﻌﮫﺎ اﻟﻤﻮاطﻦ اﻷردﻧﻲ
ﻋﻠﻰ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﺑﺪون اﻟﻘﺮوض اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ ﺳﺘﻨﮫﺎر اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر، وﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﺑﻤﻘﺪور اﻟﺨﺰﻳﻨﺔ دﻓﻊ رواﺗﺐ
اﻟﻤﻮظﻔﯿﻦ. ھﺬا اﻟﻨﮫﺞ اﻟﺪﻋﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﻟﺠﺄت إﻟﯿﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺘﯿﻦ اﻷﺧﯿﺮﺗﯿﻦ، أﻓﻘﺪ اﻷردﻧﯿﯿﻦ اﻟﺜﻘﺔ
ﺑﺄﻧﻔﺴﮫﻢ، وزرع اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻟﺪى ﺷﺮاﺋﺢ واﺳﻌﺔ ﺑﺄن ﺑﻠﺪھﻢ ﻋﺎﺟﺰ وﺿﻌﯿﻒ، ﻻ ﻳﻘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻤﻮد ﺑﺪون اﻟﺪﻋﻢ
اﻟﺨﺎرﺟﻲ؛ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻋﺰز ﺷﻌﻮرا ﺑﺎﻟﺴﻠﺒﯿﺔ واﻟﺪوﻧﯿﺔ ﻋﻨﺪ ﻋﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮاطﻨﯿﻦ.
ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ أﻳﻀﺎ، ﺑﺪا اﻷردن ﻓﻲ اﻵوﻧﺔ اﻷﺧﯿﺮة أﻗﻞ اﺳﺘﻘﻼﻟﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﻗﻔﻪ؛ ﺗﺎﺑﻊ وﻟﯿﺲ ﺣﻠﯿﻔﺎ
ﻟﺪول ﺧﻠﯿﺠﯿﺔ، وﻳﺴﺎﻳﺮ اﻟﻐﺮب ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﻐﯿﺮة وﻛﺒﯿﺮة، ﺑﺪﻋﻮى اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﺪوره "اﻟﻮظﯿﻔﻲ" اﻟﺬي ﺑﺪوﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺤﺼﻞ
ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮوض واﻟﻤﺴﺎﻋﺪات.
أﻳﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺑﺸﺄن اﻟﺪور اﻟﻮظﯿﻔﻲ، ﻓﺈن اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺬي ﺗﻨﺘﮫﺠﻪ اﻹدارات اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ واﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ ھﺬا
اﻟﻤﺠﺎل، ﻳﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ ﻗﺪر ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻹھﺎﻧﺔ واﻻﻧﺘﻘﺎص ﻣﻦ اﻟﻜﺮاﻣﺔ واﻟﺴﯿﺎدة اﻟﻮطﻨﯿﺔ.
ﻟﻘﺪ اﻧﻘﺴﻢ اﻷردﻧﯿﻮن ﺣﻮل وﺟﻮد ﻗﻮات أﻣﯿﺮﻛﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻷراﺿﻲ اﻷردﻧﯿﺔ، وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺪودة اﻟﻌﺪد. اﻟﻤﻌﻄﯿﺎت
اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﯿﺮ إﻟﻰ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ اﻟﻔﻌﻠﯿﺔ ﻟﺨﺒﺮاء ﻋﺴﻜﺮﻳﯿﻦ ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻨﺎ ﻓﻲ إدارة اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺴﺒﻮﻗﺔ
ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﮫﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ. ﻟﻜﻦ اﻟﺘﺼﺮﻳﺤﺎت اﻟﺘﻲ أدﻟﻰ ﺑﮫﺎ رﺋﯿﺲ ھﯿﺌﺔ اﻷرﻛﺎن اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ اﻷﻣﯿﺮﻛﯿﺔ، اﻟﺠﻨﺮال ﻣﺎرﺗﻦ
دﻳﻤﺒﺴﻲ، ﺑﻌﺪ زﻳﺎرﺗﻪ ﻟﻌﻤﺎن اﻷﺳﺒﻮع اﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺎدﻣﺔ ﺣﻘﺎ. ﺛﻘﺔ اﻷردﻧﯿﯿﻦ ﺑﻘﺪرة ﺟﯿﺸﮫﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻳﺔ
ﺣﺪود اﻷردن ﻻ ﺣﺪود ﻟﮫﺎ، وﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺘﻘﺒﻞ اﻟﻜﺜﯿﺮون اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ زﻳﺎدة اﻟﻘﻮات اﻷﻣﯿﺮﻛﯿﺔ ﻓﻲ اﻷردن، أو
ﺑﻘﺎﺋﮫﺎ ﻟﺴﻨﻮات طﻮﻳﻠﺔ.
ﻟﻘﺪ واﺟﮫﻨﺎ أﻳﺎﻣﺎ ﻋﺼﯿﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺮوب اﻟﺘﻲ ﺷﮫﺪﺗﮫﺎ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺧﻼل اﻟﻌﻘﻮد اﻷﺧﯿﺮة. رﻏﻢ ذﻟﻚ، ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ
ﻗﻮات أﺟﻨﺒﯿﺔ ﻟﺘﺤﻤﯿﻨﺎ. وﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ﻧﺴﺨﺮ ﻣﻦ دول ﻋﺮﺑﯿﺔ ﺣﻮّﻟﺖ أراﺿﯿﮫﺎ إﻟﻰ ﻗﻮاﻋﺪ أﺟﻨﺒﯿﺔ، أو ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ
ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ أﺳﺎطﯿﻞ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺷﻮاطﺌﮫﺎ. ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﺗﻤﺎﻣﺎ، اﻷردن ھﻮ ﻣﻦ ﻛﺎن وﻣﺎ ﻳﺰال ﻳﺘﻜﻔﻞ
ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ اﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻲ دول ﻋﺮﺑﯿﺔ ﺷﻘﯿﻘﺔ.
اﻷردن ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ إﻟﻰ دﻋﻢ ﺣﻠﻔﺎﺋﻪ. ﻟﻜﻦ ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻹدراك أن اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﺪاﺧﻠﻲ وﻣﻮاﺟﮫﺔ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ
ﻣﮫﻤﺔ وطﻨﯿﺔ أردﻧﯿﺔ.
ﺑﻔﻌﻞ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺪﻳﺮ ﻓﯿﮫﺎ ﺗﺤﺎﻟﻔﺎﺗﻨﺎ اﻟﺪوﻟﯿﺔ واﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ، وﻋﻠﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺼﻌﺪ، ﻳﺴﻮد اﻋﺘﻘﺎد ﻟﺪى ﻗﻄﺎﻋﺎت
واﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاطﻨﯿﻦ ﺑﺄن اﺳﺘﻘﺮار اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ. إﻧﻪ أﺳﻮأ اﺳﺘﺨﻼص، وﻳﻨﺒﻐﻲ
اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﯿﯿﺮه ﺑﺴﺮﻋﺔ.
الغد