من حرّك الماء الراكد؟!
في أوقات مختلفة أصادف أشخاصاً مشتركين في "الغد" منذ صدورها، يتحدّثون معي في تفاصيل في الصحيفة، ثم يسألونني في أي مجال أعمل أو قِسمٍ أكتب! مع أنني أكتب في الصحيفة منذ صدورها!
أقول، في نفسي، ربما الأمر ينطبق عليّ شخصياً من بين الكتّاب، فأبادر لسؤال أولئك عمن يقرأون من الزملاء الكتاب، فأتفاجأ بأنّهم لا يكادون يذكرون اسماً أو اسمين، بعضهم كتب ربما تعليقا لمرة واحدة.
للأمانة، هذا طبيعي، إذ لا أتوقع أنّ الجميع مهتم بالشأن السياسي أو معني به، ولا ينتظر من كاتب معين إضافة شيء غير واضح في المشهد العام. فالصورة الانطباعية تكاد تكون مشتركة بين أغلبية الناس، وتنعكس بوضوح، إما في مزاج سياسي غاضب محبط أو لا مبالاة كبيرة تجاه التطورات السياسية الجارية.
أراهن أنّنا لو أجرينا استطلاعاً للرأي بين نسبة من يعرفون مباريات برشلونة أو أخبار الفنانين وبين من قرأوا شيئاً عن قانون الانتخاب، ستميل الكفة بصورة كبيرة نحو أخبار الرياضة والفن والطرائف.
بالضرورة، هذا لا ينطبق على الجميع، فهنالك شريحة واسعة، وأعتقد أنّ أغلبها من الطبقة الوسطى بدرجاتها الاجتماعية وألوانها المختلفة، سواء البيروقراطية أو الجديدة (في القطاع الخاص)، تتابع بصورة دورية ومتواصلة ما ينُشر في الإعلام ويحدث في البلد من تطورات، وتشارك في التعليقات والتعقيبات وصناعة المزاج العام، وتحاكم الكتاب أنفسهم.
الدلالة هنا أنّ الحيثيات الاجتماعية والاقتصادية تغيّرت كثيراً خلال السنوات الأخيرة، وهنالك تنوع وتحول كبير في الاهتمامات، وليس من المنطق اختزال المعادلة وكأنّ الإعلام يصنع الرأي العام الغاضب على سياسات الدولة أو يشوه صورة مؤسساتها، كما اشتكى عدد من النواب مؤخراً.
ذلك حدث في مباراة الفيصلي والوحدات والموقف من العنف الاجتماعي، وأخيراً تصويت الثقة على الحكومة. فلم يحدث تسييس خارج النص، ولم تكن هنالك إثارة عامة، بقدر ما عمل الإعلام على نقل "شيء" من المزاج العام، بحذر وبحدود، نظراً للحساسيات الكبيرة المفرطة حول الموضوع.
للمرة الألف نذكّر أنّ الإعلام عندما فتح ملف العنف الاجتماعي واجه عاصفة من النقد الرسمي، واستمعنا حينها إلى مسؤولين ووزراء يطالبون بمحاسبة الإعلاميين والكتاب، وبقيت حالة "الإنكار" إلى أن استفحلت الظاهرة، وأصبحنا نرى بدلاً من اللجنة والدراسات عشرات اللجان والدراسات والخطط، وكلها بلا مردود واقعي إلى الآن!
العنف الجامعي وتراجع حالة الجامعات بهذه الصورة الرهيبة، خلال السنوات الأخيرة، أيضاً كان موضع تجاهل وإنكار رسمي إلى أنْ شاهدنا بأمّ أعيننا إلى أي درجة وصل طلابنا من رجوع إلى هويات فرعية وأفكار بدائية، وهم في قلب الجامعات!
المقصود، أنّ الإعلام ليس اللاعب الرئيس ولا مصدر الأزمات. فالشارع اليوم تغيّر كثيراً والمزاج الاجتماعي مختلف عن الأمس، ومياه كثيرة جرت تحت الأقدام، ولم يعد ممكناً ولا حكيماً التعامل مع هذه المعطيات الجديدة بعقلية الأدوات التقليدية القديمة.
بدلاً من هذا الأسلوب، فإنّ الانفتاح والحوار والتواصل مع الاعلام والمجتمع المدني والشارع وتطوير الرواية الإعلامية الحكومية هي القنوات المضمونة لتحسين شروط مواجهة التحديات والصعوبات والمشكلات، وتحمّل الاختلاف والنقد شيء أساسي لنجاح هذه "الوصفة".
قبل ذلك وبعده، إذا أساء إعلامي أو كاتب أو مؤسسة بصورة مقصودة ومشخصنة تتجاوز القانون، فإنّ القضاء هو العنوان، وفيه باب الحقوق مفتوح للجميع، وذلك أفضل من اتهام الإعلام دوماً بإلقاء الحجر في الماء الراكد، فذلك ببساطة ليس صحيحاً.
الغد