من أي إناء ينضح هؤلاء الإصلاحيون ؟!

من أي إناء ينضح هؤلاء الإصلاحيون ؟!
الرابط المختصر

لم يُبتذل مفهوم «الإصلاح» يوماً، كما ابتُذِل هذه الأيام على أيدي بعض أدعياء (وليس دعاة) الإصلاح والمتدثرين بلباسه، والممتطين لأمواجه الإقليمية العاتية...هؤلاء يخوضون شكلاً حربهم الدونكيشوتية ضد ما يسمونه بـ»الليبرالية الجديدة»، بيد أنهم في واقع الحال، يصدرون عن «نظرة إقليمية عوراء»، نشأوا عليها وترعرعوا في اكنافها، وكان لهم الباع الطولى في البرهنة على تهافتها وعنصريتها....هؤلاء يخفون تحت «ياقات حداثتهم المُنشّاة»، دشاديش التخلف والعرقية والإقليمية والعنصرية.

أحدهم، يرى مستقبل الأردن، في «عقد اجتماعي» جديد، يجري إبرامه بين مؤسسة العرش من جهة والحراكات السياسية والشبابية في «المحافظات» من جهة ثانية...لاحظوا «المحافظات»، وهي هنا الاسم الحركي لمنبت دون آخر، تماماً مثلما هي عمّان، ترمز في «أدب الهجاء» الرائج عن هؤلاء بوصفها اسماً كودياً لمنبت آخر من المواطنين...هذا الإصلاحي شكلاً، العنصري حتى النخاع مضموناً، يتوّج سلسلة من «الهجائيات» للحركة الإسلامية الأردنية، بدعوته عملياً لإقصائها عن المشاركة وإنزالها عن المسرح السياسي، تماماً مثلما يفعل أشد العرقيين تطرفاً وغلوّا...وهنا أيضا، تصلح الحركة الإسلامية، حزباً وجماعة، لأن تكون اسماً كودياً ثانياً، لمنبت دون آخر، ولهذا استحقت الحركة (حزباً وجماعة) النبذ والإقصاء في عيون صاحبنا الزائغة، مرتين، الأولى، لأن طائفيته التي يجهد في إخفائها دون جدوى، لا تحتمل «إسلامية» الحركة، وثانياً، لأن «إقليميته» الكريهة، التي لا يجد غضاضة في الترويج لها، تحت مسميات، باطنها الرحمة وظاهرها العذاب، لا تُبقي مكاناً أو مكانة، لحركة تحظى بنفوذ مُقدر في أوساط الأردنيين من أصول فلسطينية.

يُبتذل الإصلاح عند هؤلاء كما لم يُبتذل من قبل، في أية «أدبيات» أو «قلة أدبيات»...فالمهم عندهم، أولاً وثانياً وأخيراً، هو «قطع رأس الليبرالية الجديدة»...والليبرالية الجديدة، هي الاسم الكودي الثالث، لمنبت دون آخر، وأحياناً يُستدل عليها باستخدام تعبير «القطاع الخاص»...هؤلاء هم «لصوص عمان» كما أسماهم أحدهم، لكأن لا لصوص في الأردن إلا في عاصمته...والليبرالية الجديدة هنا، هي نقيض «رأسمالية الدولة الاحتكارية» التي يجري التبشير بصيغ شتى، للحاجة لاستعادة دورها ومكانتها، وسط ضجيج من الشعارات «اليسراوية» و»الفوق وطنية»، لكنها في الحقيقة، تخفي حنيناً للدولة البطريركية ونظامها الأبوي، الذي لم «يفطم» هؤلاء بعد، عن أثدائه الغزيرة بالاعطيات والهبات، والتي لا وظيفة لها، سوى خلق علاقة «زبائنية» بين الدولة و»الرعية»...وتنهض كنقيض صلب لمفهوم «دولة المواطنة».

ومفهوم الدولة عند أدعياء الإصلاح هؤلاء، ليس في واقع الحال سوى اشتقاق من مفهوم «الواجهة العشائرية» و»تنويع عليه»...وبما يمنح حقوقاً حصرية في هذه «الواجهة» لفئة من المواطنين على حساب بقيتهم...بل و»تستحيل» الدولة عند هؤلاء إلى «ماكينة جباية عملاقة» تعيد إنتاج «مفهوم الغزو» السابق للدولة، بمفردات وتعابير وتشريعات «حديثة» يفترض أنها «تنسجم مع لغة العصر» المصبوغة بخطاب «يسراوي» متهافت ومُفلس...الدولة عند هؤلاء «هي ملكية خاصة لفئة من المواطنين، لا جهازاً لتنظيم العلاقة فيما بينهم...و»استعادة الدولة والقطاع العام» بما هي «واجهة عشائرية» ليست عند هؤلاء في نهاية المطاف، سوى «خصخصة بالجملة»، مقابل «الخصخصة بالمفرق» التي قاوموها وجعلوا من «إعادة عقارب ساعتها للوراء» مهمة تتصدر أجندتهم «الوطنية».

والحقيقة أنك يندر أن تعثر في ثنايا خطاب هؤلاء، على حديث عن «الدولة المدنية الديمقراطية التعددية»...خطابهم أقرب لخطاب «اللون الواحد»...و»الهوية» عندهم كرة مصمتة، لا تتدرحج إلا في «مرابعهم»...وهي معطى «لا تاريخي»، تشكل بصورة ملتبسة في ماضيات الأزمان، وباقٍ إلى قادمات الأيام والعصور والدهور...والدولة عند هؤلاء لا علاقة لها بما يجري تعليمه لطلبة السنة الأولى في العلوم السياسية...الدولة بالنسبة لهم، هي «اتحاد عشائر»، يكفل لكل «عشيرة» حصتها في «الواجهة» إياها، ويُبقي للآخرين حق «المرور» و»الإقامة» و»الانتفاع» بفرض «حسن النوايا» بالطبع...ولهذا فإنك لن تفاجأ، وأنت تستمع لأحاديثهم عن «القوى الصاعدة» في الدولة والمجتمع، إذ يذهب تفكيرك مباشرة إلى «المجتمع المدني» و»الحراكات الشبابية»، فإذا بالقوم يحدثونك عن «موازين قوى متبدلة» داخلة «اتحاد العشائر» وعن قوى صاعدة، تتجه لاحتلال مكان ومكانة وتمثيل قوى متآكلة، أو «آيلة للسقوط».

يتسع الخطاب الإصلاحي لهؤلاء لعبارات التمجيد لبعض أكثر الرموز عرقية ورجعية و«شداً عكسياً»، ولم لا طالما أن الالتقاء على تحجيم ومصادرة وإقصاء «الليبرالية الجديدة» و»عمان» و»الحركة الإسلامية»، و»القطاع الخاص»، يشكل قاسماً مشتركاً «أعظم» بين هؤلاء....

انظروا كيف يتطوع هؤلاء لـ»شيطنة» الحركة الإسلامية...كيف يخصصون زواياهم «المستعادة» لهذا الهدف،، انظروا كيف تتقاطع الحسابات والإجندات والمصالح العنصرية الأضيق من ضيقة...انظروا كيف هَرول هؤلاء سريعاً إلى الخندق المناهض للإصلاح، لمجرد أن الإصلاح فتح نافذة للحديث عن «المواطنة المتساوية» و»دولة جميع أبنائها»....انظروا كيف استل هؤلاء سيوفهم، وتحولوا إلى «البلطجة الفكرية» عبر ما يمارس من اتهامات و»ابتزازات» لكل رأي مخالف: هذا «جيش التوطين» وهؤلاء «رأس حربة الوطن البديل» واؤلئك أنصار «المحاصصة» إلى غير ما هنالك من «مياه آسنة» يقيئون بها في وجوه مخالفيهم ومجادليهم، وبالأخص، حين يكون هؤلاء المخالفون والمجادلون من «عمان»...هل بربكم رأيتم بلداً في العالم أصبحت فيه عاصمته مُضغة في كل لسان، و»حيطة واطية» لكل من يريد أن يختبر قدراته على الهجاء ؟!.

الدستور