من‎ ‎يريد‎ ‎إسقاط‎ ‎النظام؟‎ ‎

من‎ ‎يريد‎ ‎إسقاط‎ ‎النظام؟‎ ‎
الرابط المختصر

أجزم أن من يرفع شعار إسقاط النظام لا يريد ذلك، من اعتقادي أن القلة التي رفعته لا تدرك تماما معنى ما تقول، وتبعات ما تطالب به؛ وأغلب الظن أن رفع هذه القلة للشعار ليس إلا من باب المناكفة للسلطات المختلفة.

الشعار أخذ مدى أكبر من حقيقته، فتداولته بعض وسائل الإعلام العالمية على اعتبار أنه يعكس رغبات كثيرين، وهذا غير صحيح؛ فالغالبية العظمى، إلا من شذ وهم قلة، تؤمن بإصلاح النظام.

والنظام، كما عرّفه الملك في خطابه الذي ألقاه يوم أول من أمس بحضور آلاف الشخصيات، يتمثل في "الدولة بكل مؤسساتها ودوائرها تحت مظلة الدستور..

النظام هو القيم والمبادئ التي تقوم عليها هذه المؤسسات والدوائر..

النظام هو أيضا الكوادر التي تُسيِّر هذه المؤسسات، التي تضم جميع فئات ومكونات المجتمع الأردني".

وهذا التعريف دقيق وصحيح 100 %؛ فالأخطاء والتجاوزات التي وقعت خلال الفترة الماضية تمت من خلال هذه المؤسسات، حتى وصلنا درجة صرنا نحتار معها من أين نبدأ بالإصلاح؟

بعض الشباب ممن رفعوا هذا الشعار، وفي حديث جانبي مع الأمير الحسن خلال زيارته لحي الطفايلة قبل نحو شهرين، قالوا بكل بساطة إنهم حريصون على الهاشميين ونظامهم، ولا يريدون إلا محاربة الفساد.

وهذا مطلب مشروع، فأين المشكلة إذن؟

المشكلة أن هذه الشريحة لم تجد الاهتمام المطلوب والمتوقع من قبل كل المؤسسات التي تحدث عنها الملك؛ فلم نسمع عن حوار جدي بين أبناء هذه الشريحة وبين واحدة من السلطات.

وحتى المعارضة التقليدية، وهي الأقدم والأعتى، لم تطلق مثل هذا الشعار، بل وحرصت في كل مسيراتها واحتجاجاتها وفعالياتها على الاستمرار برفع شعار "الشعب يريد إصلاح النظام"، وثمة التقاء كبير على هذا الشعار، لدرجة الرفض المجتمعي لرفع شعار الإسقاط بلا حدود، وهو شعار مستفز لكثير من الأردنيين الذين يخشون من تبعات رفعه وتهديده للأمن المجتمعي.

الصورة الكلية تؤكد أن الأردنيين يؤمنون في وجدانهم بالنظام، ومن يرفع مثل هذا الشعار لا يملك فهما عميقا لواقع البلد الديمغرافي والجغرافي، ولا يدرك الأساس التاريخي لوجود الحكم الهاشمي في الأردن، فهو كما قال الملك بوضوح: الحكم بالنسبة للهاشميين لم يكن في أي يوم من الأيام مغنما، وإنما مسؤولية وواجب وتضحية نقدمها لخدمة هذه الأمة، والدفاع عن قضاياها ومصالحها.

في السنوات الماضية، تغولت سلطات على أخرى، وفقدت الحكومات ولايتها العامة. لكن دستوريا، لا أحد يحتكر مكونات الدولة كما أكد الملك، وهنا مكمن القصة التي يلزم على كل قوى المعارضة، التقليدية والحديثة، التقاطها، لتدرك أن الاحتجاج على أهميته ومشروعيته، لا يحدث التغيير المطلوب.

وحالة الحراك دليل ذلك. إذ بدأت مكوناته بالخروج للشارع منذ 18 شهرا للمطالبة بالإصلاح، وكل التطور الذي لحق بهم لا يتجاوز سقف الشعارات، فيما هيكلهم التنظيمي وعملهم السياسي لم ينضج بعد.

فما يزال الحراك مشتتا رغم أشهره الطويلة، بدون أن يتم تأطيره في تنظيم يبدأ خطواته الأولى في العمل السياسي، من خلال تشكيل حزب يقوى عوده، ويدخل اللعبة السياسية، مثله مثل أي قوة سياسية موجودة على أرض الواقع.

اليوم، فاتت الفرصة على المشاركة الحقيقة في التغيير، والخاسرون هم الطرفان: الدولة التي لن تجد معارضة حقيقية في البرلمان، والمعارضة التي ستبقى في الشارع عاجزة عن التدخل في صناعة المستقبل.

لكن المستقبل ما يزال مفتوحا لندرك جميعا أن الإصلاح جولات، وليس معركة واحدة تحسم لطرف دون الآخر.

وما يزال لدينا كثير من الاختلالات التي تحتاج إلى قوى معارضة حقيقية تقف في وجهها، لكن هذه المرة بالتحضير جيدا لشكل وأدوات المعركة، لنتمكن من إحداث التغيير المأمول.

الغد