مملكة القهر

مملكة القهر
الرابط المختصر

 

تتصرف السعودية بوصفها دولة لا تخضع للمحاسبة أو اللوم، وعلى الجميع أن يصمت على التطرف والاستعباد والترهيب الذي قامت عليه المملكة الوهابية الثالثة مطلع القرن الفائت، وكان آخره تهديد وزارة العدل في الرياض كل شخص يصف قضائها بـ"الداعشي"، بينما يُصّنف القضاء السعودي بأنه الأسوأ في العالم كله، وفق تقارير المنظمات الحقوقية الدولية.

 

تتمثل أولى انتهاكات المملكة بإخضاع مواطنيها والمقيمين على أرضها للتوقيف والملاحقة والحبس والتأديب على يد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر –رغم تعديل قانون الهيئة مؤخراً بما يمنعها عن توقيف الأفراد وتعذيبهم، وإصدارها بيانات تحذر أعضائها من القيام بهذه الممارسات لكنهم يواصلون انتهاكاتهم-، ويشكّك كتّاب ومواطنون سعوديون بأحكام الهيئة التي تجنح إلى التشدد في أمور غير منصوص عليها فقهياً، بل إن رئيسها قد اعترف مراراً وتكراراً بأنها تضم متطرفين!

 

الأحكام المتطرفة التي تنافس السعودية بها التنظيمات المتشددة كافةً، من جاكرتا إلى تمبكتو، لا تُنفذ على حد سواء، إذ تنتقد جهات عديدة هيئة الأمر بالمعروف والمحاكم الشرعية التي تحاسب فئات لا تمتلك نفوذاً اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً، ناهيك عن صدور تقارير كثيرة، ومنها سعودية حول تهم فساد طالت الهيئة.

 

تعد الهيئة أداة لترهيب المجتمع وفرض رقابة جائرة لا تستند إلى أدنى درجات احترام الإنسانية، فضلاً عن انتهاكها جميع المواثيق والعهود الدولية، إلاّ أنني فضلت في هذا المقال عدم اللجوء إلى مصادر قد يصنفها البعض بأنها تعبّر عن خصوم سياسيين للسعودية، لذلك أختار تقريراً نشرته صحيفة "شؤون خليجية" بعنوان: "لماذا تعادي منظمات حقوق الإنسان النظام القضائي السعودي؟".

 

يشير التقرير المذكور إلى أن منظمة العفو الدولية ترى أن السلطة التقديرية الممنوحة للقضاة تؤدي أحياناً إلى صدور أحكام «تعسفية»، وأنها لا تمنح المتهم حق الحصول على محامٍ أو محاكمة علانية، وأن الاعترافات يتم انتزاع بعضها «تحت التعذيب»، ولا يحصل المتهمون غير الناطقين باللغة العربية على مترجمين.

 

وتدين المنظمة أحكام الإعدام التي تصدر عقب محاكمات جائرة تفتقر إلى الضمانات الأساسية،  وتؤكد أن نصفها كانت على خلفية جرائم غير مميتة، وبحق أطفال وأشخاص يعانون من إعاقات عقلية، وتختلف التقديرات حول عدد الإعدامات –في بلد لا يتيح الحق في الحصول على المعلومة مطلقاً- وتصل إلى 123 إعدام خلال العام الماضي.

 

وتفتقر المملكة، التي ترفض وصف قضائها بـ"الداعشي" إلى قانون جزائي، وهو ما يترك مسألة تعريف الجرائم وعقوباتها مبهمة ومفتوحة أمام الاجتهادات على نطاق واسع، ويؤدي إلى إصدار أحكام جائرة –غالباً- كما يحرم المتهمون من الحق في الحصول على فرصة الطعن أو الاستئناف بشكل مناسب ودقيق.

 

ويلفت التقرير إلى التمييز بين الخصوم؛ بين المواطن السعودي وغيره، بين الرجل والمرأة، كما لا تتساوى العقوبات على الجريمة نفسها في معظم الحالات، ويأتي الرد جاهزاً لدى المسؤولين السعوديين باعتبار هذا التقرير وغيره، بأنه جزء من حملة يتعرض لها الدين الإسلامي!

 

"الإسلام" الذي تدافع عن السعودية يخوّل لهيئة الأمر بالمعروف، التي تضم متطرفين وغير مؤهلين أن تتابع 370 ألف قضية في العام الواحد! لو قرر عاقل أن يحلل هذا الخبر المنشور على موقع قناة "العربية"، سيصل إلى جملة استناجات كل واحد منها أسوأ من الآخر، إذ يقوم المجتمع السعودي بألف مخالفة يومياً تستحق ملاحقة رجال الحسبة، مع الاستغراب من ازدياد عدد القضايا كل عامٍ (زادت سنة 2013 بمعدل 18% عن السنة الماضية)؛ بمعنى أن الهدف من تأسيس الهيئة لم يعد قائماً، بل أصبح المطلوب زيادة عدد أعضائها وأعداد رجال الأمن الخاضعين تحت تصرف رئاستها، وموازنتها السنوية، وحقها في ملاحقة أي فرد لا يتمتع بـ"حماية" اجتماعية وسياسية.

 

ويحق التساؤل عن أسباب ارتفاع أعداد حالات الاعتداء على رجال الهيئة، كما توثقها الصحف والمواقع السعودية، وكان آخرها خبر اقتحام مركز الهيئة وتعرض رجالها للضرب بآلات حادة!

 

أمام هذه الوقائع تكون مناقشة حكْم إعدام الشاعر الفلسطيني أشرف فيّاض أو جلْد الكاتب السعودي رائف بدوي وغيرهما هي مواجهة لعقل متطرف ومستعبد وإرهابي يحكم مملكة القهر، لا الحديث عن انتهاك أو مخالفة عابرة، ويدعي قيامه بكل ما يقوم به من سياسات وممارسات ظالمة في سبيل الدفاع عن الإسلام المستهدف، كما يردد المسؤولون السعوديون كلما أرادوا تبرير قراراتهم.

 

يأمل عقلاء وراشدون أن تضع السعودية ملف التنمية في الدول العربية على رأس أولوياتها، أو في مملكتها على أقل تقدير، وهي التي تعاني نسبة فقر تصل إلى 12.5% بحسب تقديراتها الرسمية و25% وفق تقديرات دولية، وإذا افترضنا مسايرة البلد العربي والإسلامي الأغنى فعلينا القول بصراحة إن انتهاكاته الدائمة لم ولن تفيد أو تحمي الإسلام أو المسلمين.

 

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.

أضف تعليقك