#ملكة_جمال_الأردن .. وأكل الخـ**

#ملكة_جمال_الأردن .. وأكل الخـ**

كلنا يذكر قصة المخبز الشهير على طريق أوتوستراد عمّان-الزرقاء. ولمن لم يسمع بالقصة، فقد جرى استخدام صهاريج نضح في تهريب السمن اللازم لأعمال الحلويات في المخبز الذي كانت شعبيته كبيرة حين حدثت الواقعة.

مَن سَلِم من حادثة المخبز لم يسلم من حادثة المياه، حيث ضخّت حنفيات البلدية مياه الصرف الصحي للمواطنين. كنا غشماء حينها وظننّا أن مسؤولاً كبيراً في سلطة المياه سيطير، وأن المخبز لن تقوم له قائمة بعد تلك العَمْلة السوداء. لكن حدثَ في بلدنا السعيد أن ازدهر المخبز بل ازدهر بشدة، ولم تًقل سلطة المياه المسؤول ولا يحزنون، وما زال العرض مستمراً إذ نسمع بين فترة وأخرى نسخاً جديدة من القصة ذاتها.

إذن، لم يمت أحد من الشعب بسبب الحادثتين، لكننا اكتسبنا المناعة ضد أكل الخـ** منذ ذلك الوقت.

حَمتنا مناعتنا المكتسبة طيلة السنوات الماضية من أن نفقع، وجعلتنا نستطيع مواجهة كل ما مررنا به في قضايا الفساد وانعدام الأمن والبطالة والفقر والمديونية والعجز والعنف الأسري والجامعي. كل هذا مرّ بنا برداً وسلاماً.

إلا أنه حين يصل الأمر إلى ملكة جمال الأردن، فكلا وألف كلا! نكشّر عن أنيابنا، ونثبت للعالم أن الصورة المغرضة، التي يتم ترويجها عنّا نحن الأردنيين غير صحيحة، وأننا قادرون على الاعتراض ورفع الصوت والزعل لفترة أطول من ثلاثة أيام.

حين يصل الأمر إلى ملكة جمال الأردن، انسوا أننا شعب لطيف محصّن ضد الرزايا، وسنشهر لكم  الجانب الآخر: الشعب العنيف. لقد رفضنا الفساد في مسابقة ملكة جمال الأردن ونطالب الملكة –ملكة جمال الأردن!- أن تحتمل كل ما يكال لها من إهانات لأنها "شخصية عامة".

اعتبرنا أن الفتاة لا تناسب هذا المنصب الوطني الخطير، ولم نقبل إدّعاءها بتمثيلها جميلات الأردن، ورأينا أن في ذلك جرح لكرامتنا كأردنيين، وأعلنّا أننا لا نقبل الواسطة وطالبنا بالشفافية، نريد معرفة الجهة المنظّمة للمسابقة ونريد معرفة أعضاء لجنة التحكيم ونريد معرفة المعايير!

لم تجرح الملكة كرامتنا أكثر من رئيس الوزراء الذي سأله صحفياً يشكو من ارتفاع الأسعار وطلب من رئيس الوزراء استضافة عائلته في بيته لأنه لم يعد قادراً على الصرف على أسرته. رئيس الوزراء أجاب الصحفي: مرتَك حلوة؟ وضحك الجميع فنحن شعب طيب ونسينا القصة برمشة عين، كما أنه "رئيس وُزرا" أما هي فملكة.. وغلطتها بالطبع أكبر من غلطته.

لم تهدّد هذه الملكة وطننا أكثر من تحويل مناهجنا التعليمية إلى نسخ منزوعة الوطنية تماما، يدفن فيها فراس العجلوني الحيّ.. مرة أخرى. لكننا شعب مطلّع يعرف أن الوكالة الأمريكية للتنمية وصندوق النقد لا يقدمون لنا الديون والتسهيلات لوجه الله وأن تطبيع المناهج شرٌ لا بدّ منه، فالوطنية في القلب لا في الكتب.. آخ يا قلبي!.

نعترف أن الملكة لم توجه لنا إهانة مساوية للوزيرة التي قالت عن الشعب الأردني أنه شعب بارد وجه؟ جمطناها يومها وقلنا: المرأة تمزح فقط. ونعرف أن الملكة لم تُهن الأردنيات مثل النائب الذي قال لزميله تحت القبة: انت مفكرّنا نسوان"؟ لكننا شعب فهمان ونعرف أن هيك مزبطة بدها هيك ختم، وأن قانون انتخابنا المتخلّف لن يوصل إلى القبة سوى هذه الأشكال باستثناء من رحم ربي، و"على نفسها جَنت براقش".

نعرف كل هذا.  لكن حكوماتنا الرشيدة تقهرنا بشكل مستدام، ونحن كمواطنين مقهورين نتتفشّش بمن تطاله أيدينا، فالرجل يتفشش بزوجته والزوجة تتفشش بأولادها، والأولاد يتفششون بزملائهم. والمعلّم يتفشّش بطلاّبه.

وكما يذكر مصطفى حجازي في كتابه "سيكولوجية الإنسان المقهور" أن “الإنسان المقهور في العالم المتخلف بدل أن يثور ضد مصدر عاره الحقيقي، يثور ضد من يمثل عاره الوهمي وهو المرأة المستضعفة”  فقد حدث هذه المرّة أن كانت الملكة هي هذه المرأة المستضعفة. ملكة مقدور عليها، ويمكننا أن نطالب هنا بالشفافية والنزاهة والمعايير والأسماء والإجراءات وكل ما نشتهي. لمَ نسكت؟ إنه حتى ليس وزير سياحتنا من يمكن أن يطرطش غضبنا عليه. القصة كلها حدثت في مصر.. لن يتضرر هنا وزير ولا مدير ولا كبير.  يعني أمان!

هذه المرة لن نسكت، وسنطالب بال.. وال.. وال... وسنمضي في كل مطالبنا حتى النهاية.. وسنهتف ضدّ الملكة –ملكة جمال الأردن- إلى أن تتشقق حناجرنا وسنشتمها إلى أن نستنفذ قاموس شتائمنا.

لكن.. يا لنا من شعب بائس! يا لنا من شعب مقهور!

*روائية أردنية مقيمة في السويد. حائزة على جائزة الشارقة عن روايتها الأولى "ثلاثون". صدر لها رواية "كأنها مزحة"، وكتاب "دليل الاستخدام".

أضف تعليقك