لأننا تأخرنا عن الاستماع لأصوات الناس ، وتعاملنا بمنطق "التأجيل" مع كثير من "الملفات" والمطالب ، فإننا سنواجه - بلا ريب - مفاجآت كثيرة ، وملفات لم نتوقع أن تفتح بمثل هذه السرعة والجرأة ، واستحقاقات لا يمكن تأجيلها أو تسكينها.. ومن واجبنا - وقد حصل مع حصل - ان نتفهمها وان ننتبه لاجراسها ومحاذيرها ، لكي نخرج منها "بسلامة" ونعالجها بما يلزم من ادوية وجراحات عاجلة.
لدي عشرات الامثلة على "ملفات" فتحناها فجأة ثم اغلقناها فجأة وأخرى تجاهلناها ، وثالثة عبثنا بها بما يكفي لاستفزاز الناس ، ورابعة تركناها مادة دسمة للاشاعات وأحاديث الصالونات ، وكلها تركت لدى المواطن قناعة واحدة وهي: اهمال الحكومات في التعامل مع قضاياهم ، واستهتارها بحقوقهم ، وهروبها الى التأجيل والتسويف والانشغال بتزيين قراراتها وتحميل الناس - مادياً ومعنوياً - تكاليف اخطائها وقصورها واجراءاتها المختلفة.
خذ - مثلاً - ملف "الواجهات العشائرية" ، هذا الذي يشكل اليوم "بؤرة" ساخنة للتوتر والاحتجاج ، فمنذ اكثر من ثلاثين عاماً وهو "مؤجل" رغم الالحاح المستمر من قبل أصحابه على فتحه ومعالجته ، ورغم ان حلّه في السنوات الماضية كان ممكناً ، ورغم ان "العبث" به يشكل "استفزازاً" للناس ، لكن كل هذا لم يقنع أحداً "باغلاقه" ما دفع المتضررين للخروج الى الشارع ، والمطالبة باعادة "اراضيهم" اليهم ، وهي قصة بدأت تتدحرج الآن ، وأصبح المسؤول أمامها "مرتبكا" في الطريقة التي يمكن ان يتصدى من خلالها لحلها ، نظراً "لالتباساتها" الكثيرة ، فالاراضي من جهة القانون ملك لخزينة الدولة ، ومن جهة الواقع ملك للمواطنين من ابناء العشائر ، لكن المشكلة تكمن في توزيعها او تفويضها او استخدامها.. كيف؟ لا أدري؟ لكن كان يمكن عبر ثلاثين سنة او اكثر حلها بدل ان تفاجئنا بهذه الصورة وفي هذا التوقيت الذي قد يضطرنا الى "سلق" الحلول لارضاء الناس وامتصاص غضبهم.
خذ - مثلاً - آخر ، ملف "قضية الدقامسة" هذا الشاب الذي أمضى نحو اربعة عشر عاماً في السجن ، وتم "تسكين" قضيته وإهمالها ، الى ان فاجأنا الوزير الشجاع حسين مجلي باعادتها الى الواجهة ، والرجل - بالطبع - وجد نفسه امام امتحان عسير يتوقف عليه "حكم" لا يرحم على مصداقيته وتجربته الطويلة في المعارضة والدفاع عن حقوق الناس ، لا بل والدفاع عن الجندي الدقامسة الذي كان محامياً له ، وقد نجح بالتأكيد ، وهو ما يستحق الاحترام فعلاً ، لكن السؤال: لماذا ظل هذا الملف مفتوحاً رغم ما نعرفه من ممارسات اسرائيلية بشعة كان يمكن "استثمارها" للافراج عن السجين اثناء حرب غزة مثلا ، او اثناء الاعتداء على المسجد الاقصى ، ورغم ان"القضية" تتعلق بسيادة الدولة وقوانينها ، وهي تسمح بالافراج عنه ولا تحملنا أي "تكلفة" سياسية تذكر ثم أين كان وزراء العدل ، والحكومات السابقة ، من هذا الملف.. ولماذا لم يعالجوه؟ هذان نموذجان - فقط - من نماذج كثيرة تداهمنا الآن ، ويصعب (هل يصعب حقاً) فتحها او حلها "بالجملة" ، بعد ان كان بمقدورنا "ترتيبها" وحلها بالتقسيط ، وأخشى ما اخشاه ان نتعامل معها - كما فعلنا سابقاً - بمنطق "التأجيل" او "الهروب" ، او - حتى - بمنطق "التسرع" وعدم الاهمام ، وفي البال طبعاً ملفات اخرى مهمة تتعلق "بالفساد" ورؤوسه ، وبالاصلاح الحقيقي ، وبقضايا المعلمين ونقابتهم ، وبغيرها مما يزدحم على "اجندتنا" اليوم ، ويحتاج الى حلول ومعالجات سريعة.
الدستور