ملاحظات حول سير العملية الانتخابية
بوجود ما يقرب من ثلاثة آلاف مراقب ، سيكون من الصعب على الحكومة أن تتدخل في مسار الاقتراع يوم بعد غدْ الثلاثاء ، والأرجح أننا سنشهد يوماً انتخابيا أفضل من الأيام الانتخابية التي سبقته.
ويسعدنا أن نسمع من الدكتور محي الدين طوق ، المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان ، أن راصدي المركز لم يسجلوا انتهاكات جوهرية لمعايير السلامة الانتخابية في مرحلتي التسجيل والترشيح ، وأن البيانات التي أصدرها المركز ، لخصت المشهد بكليته ، بسلبياته وإيجابياته ، وأن البيانات التي ستصدر لاحقاً ، ستواصل النهج ذاته ، وبكل موضوعية ومهنية واستقلالية.
على أننا ونحن نسجل للحكومة ما لها في هذا المجال ، لن يفوتنا أن نسجل لها ما عليها كذلك ، وما عليها يبدأ من لحظة إعداد القانون الإشكالي للانتخاب ، وهو قانون لم يفهم حتى الخبراء والمراقبون الدوليون مغزى بعض بنوده ، خصوصاً دوائره الافتراضية ، حتى أنه أستحال إلى مادة للتندر بـالإضافة الأردنية على الإرث العالمي للتجارب الانتخابية ، مع كل ما يمكن أن يثيره انعدام الشفافية في الإعلان عن أسماء المرشحين في الدوائر الفرعية تباعاً وتأخر صدور كشوف المرشحين عدة أيام عن موعدها النهائي القانوني ، من أسئلة وتساؤلات ، وما يلقيه من علامات استفهام ، تبدو الحكومة والرأي العام والأردن ، في غنى عنها.
والحقيقة أن الحكومة تبذل جهوداَ مضنية لحث الناس على الاقتراع ، وهي وإن قالت أنها غير مهجوسة برقم معين أو حاجز معين ، وأنها تؤثر انتخابات نظيفة على نسبة اقتراع عالية ، إلا أننا في الحقيقة لا نأخذ هذا الكلام على محمل الجد ، فالحكومة تريد نسبة مشاركة عالية ، وهذا أمر طبيعي ، وتتمنى أن يسجل لها في الوقت ذاته ، أنها أجرت انتخابات نظيفة ، أو الانتخابات الأنظف في تاريخ الممملكة.
على أننا لا نرى خطوات كافية تبذلها الحكومة لإقناع الناس بنزاهة الانتخابات وسلامة العملية الانتخابية ، فالأقوال هنا لا تكفي أبداَ ، سيما وأن تجربة 2007 ما زالت جاثمة بثقلها الكريه على صدورنا وعقولنا وضمائرنا جميعاً ، والمواطنون أصبحوا بحاجة لأفعال تشف عن نوايا الحكومة وليس إلى أقوال فحسب ، وفيما يلي غيض من فيض ما يمكن أن تقدم عليه الحكومة:
أولا ، في مجال محاربة المال السياسي الفاسد ، لقد تأخرت الحكومة في في وضع اليد على بعض الجناة ، ونحن نعرف والمواطن يعرف والحكومة تعرف ، أن استخدام المال القذر يتخطى الأسماء والأشخاص الذين ألقي القبض عليهم ، وأن هناك رؤوساً عديدة وكبيرة تستخدم هذا المال ، فهل من المناسب تحويل حملة الملاحقة التي أوجبها القانون لهؤلاء إلى ممارسة استنسابية ، انتقائية ، تقتصر على تقديم البعض عبرة للآخرين ، وأن نختار الأضعف منهم أو الحيطة الواطية كما يقال ويُتداول ؟،. كنا بحاجة لإجراءات أشد حزماً في مواجهة هذه الظاهرة ، ونحن لا نعرف لماذا ترددت الحكومة عن تطبيق القانون.
ثانيا ، في مجال الدعاية الانتخابية وانتهاك قواعدها ، فنحن لم نر خطوات عملية تؤخذ لمعاقبة منتهكي القانون في هذا المجال ، من المرشحين الذين غطت صورهم أعمدة الكهرباء وشاخصات الطرق ، إلى وسائل الإعلام التي فتحت الباب للحملات الانتخابية قبل مدة طويلة من الموعد القانوني المقرر لبدء الحملات ، فهل يعقل أن لا يقدم أحد للقضاء ، ولماذا يؤخذ من مرشحي عمان مبلغ أربعة آلاف دينار ضمانة لإزالة مخلفات الحملة الانتخابية ويستثنى من ذلك مرشحي المحافظات الأخرى ، الذين انتهكوا قواعد الحملات الانتخابية بأكثر مما فعل زملاؤهم في العاصمة.
ثالثاً: في مجال الأصوات المهاجرة ، وفي غياب كشوف الناخبين (2007) وعدم توفير نسخ الكترونية مبوبة ويمكن التعامل معها الكترونياً ، وحتى في غياب الترتيب الأبجدي للكشوف والأسماء ، فإن حصر الأصوات المهاجرة ، والتعرف على مصائرها ومآلاتها ، وما إن كانت عادت إلى موطنها الأصلي أم زالت مترحلة ، تبدو مهمة مستحيلة على الجميع من دون استثناء ، الأمر الذي سيمكن ماكينات الشائعات من أن تواصل عمليها كالمعتاد في المرحلة القادمة.
رابعا: كان يجدر بالحكومة أن توعز لكل أصحاب الأمر ، بضرورة التفريق بين حق المعارضة في حث الناس على مقاطعة الانتخابات ، وهو حق دستوري لهم ، يعد الوجه الآخر للحق في المشاركة والحض عليها ، على أن لا يفضي ذلك إلى منع المواطنين من ممارسة حقهم بالاقتراع ، فالأمران مختلفان ، أولهما حق ، وثانيهما جريمة ، والمسافة بينهما شاسعة على أية حال.
والخلاصة أنه من دون أن نرى القانون الانتخابي مفعلا على الأرض وفي الإجراءات ، من دون أن نرى مشتري الضمائر وبائعيها خلف القضبان ، من دون أن يُطبق القانون بنصه وروحه على الجميع ومن دون استثناء أو محاباة ، فإن ظلالا من الشك ستظل ترافق العملية الانتخابية ، وفي ظني أنه ما زال هناك متسع من الوقت للقيام بأفعال من شأنها أن تفتح شهية المواطنين للخروج من منازلهم يوم الاقتراع ، فهل نفعل؟
span style=color: #ff0000;الدستور/span