مكانة روسيا  

مكانة روسيا  
الرابط المختصر

 

لا يغيب ذكْر «مكانة روسيا" في العالم العربي، ولدى شعوبه، عن أي حديث سياسي عربي، ولا يندر أن يجزم مراقبون ومحللون سياسيون عرب أن مكانة موسكو و«تقديرها» في العالم العربي تراجع بفعل مواقفها حيال أحداث السنوات الأخيرة، ولا سيما الأزمة السورية.

 

ويكرر هؤلاء المحللون والمراقبون تقديراتهم بما يعطي انطباعاً أن هذا الرأي يعكس واقعاً ملموساً، غير قابل للشك، وأن «المكانة» الروسية تتحدد باعتبارات وإرادة عربية.

 

في الواقع، تصطدم هذه «المسلمة» بحيثيات يجدر أخذها بعين الاعتبار، وعلى رأسها أن «الموضوعة» نفسها، أي «مكانة روسيا في العالم العربي»، هي قلق عربي حصراً، ولا مقابل لها من الجانب الروسي، الذي يرى على العكس من ذلك أنه حقق تقدماً على مستوى إثبات حضور روسيا الدولي، واستعادة موقعها في العالم العربي. ويبرهن على ذلك بوقائع تعكس ارتفاع مستويات التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري مع مجمل البلدان العربية، وإقرار هذه البلدان وشعوبها بأولوية الدور الروسي من جهة، وأهميته من جهة ثانية.

 

والبرهنة الروسية على مكاسب السياسة الخارجية الروسية في العالم العربي، لا تتوقف عند هذا الحد، بل تمضي قدماً لتشير إلى أن حضور روسيا ودورها لم يعودا مرتبطين بقبول أو عدم قبول الأطراف العربية بهما، فقد أصبحا حقيقة دولية لا مناص من التعامل معها. خلافاً لما كان عليه الحال سابقاً، حتى في سنوات وجود الدولة السوفيتية، ناهيك عن عهد يلتسين، الذي شهد تراجعاً كاملاً في وزن روسيا الدولي، وبالتالي حضورها العربي.

 

وتحضر هنا، حقيقة أن المصالح الروسية في العالم العربي تبدو ضئيلة بالمقارنة مع سلسلة المصالح الاستراتيجية الواسعة في العالم، التي تمتد من أقصى الشرق، حيث المصلحة القوية بـ«الصين المزدهرة» و«العلاقات الكثيفة التي تتجاوز كل العقبات السياسية» مع أوروبا، ومع الولايات المتحدة» رغم التضارب الآني في السياسات.

 

تقول وثيقة «روسيا في عالم متغير»، وهي أساسية في فهم السياسة الخارجية الروسية، وصدرت ممهورة بتوقيع بوتين، إن «الحيثيات الواقعية هي التي سمحت لروسيا في الاحتفاظ بشكل كامل بمكانتها الرائدة على الساحة الشرق الأوسطية»، وليس الرغائبية، الروسية أو العربية!

 

وعلى عكس ما يقوله بعض المحللين والمراقبين العرب، فإن أقرانهم الروس يحتفون بتقدم دور بلادهم ومكانتها، مشددين على أن الحقائق تأتي من الحيثيات والأرقام التي يقدمها الواقع، وليس من التقارير الإعلامية التي تعكس في العادة رغائبية كاتبيها. وهي حيثيات يمكن اختزالها بحقيقة أن اسم موسكو بات مقروناً بأغلب القضايا المطروحة في العالم، ومنها العربية بالطبع، بأكثر مرات مضاعفة مما كان يرتبط بها في المراحل السابقة، وفي تقدم ملحوظ على واشنطن.

 

إن الطريقة التي يقيّم بها الجانب الروسي حجم توسع دوره ونجاحاته في العالم العربي لا تعكس فقط «هبل» قطاع من الإعلاميين، ومعه «الوعي» العربي الذي يعيش حالة إنكار كاملة للواقع ويصدقها تماماً، إنما يؤكد سذاجة قطاع كامل من النخب المعنية بالدور الروسي والمرحبة به أيضاً!

 

  • ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.
أضف تعليقك