مكافحة الفساد:من الأعلى إلى الأسفل

مكافحة الفساد:من الأعلى إلى الأسفل
الرابط المختصر

مهمة الهيئة مواجهة الفساد في الطوابق العليا قبل التوعية.

التصريحات الاولى لرئيس هيئة مكافحة الفساد سميح بينو تبعث على الاطمئنان فالرجل يؤكد بصورة قاطعة ان الهيئة لن تغض النظر عن قضية فساد أيا كان الشخص المعني بها في اشارة الى من يعتقدون انهم متنفذون وفوق القانون ولا تطالهم يد المحاسبة والمساءلة.

بينو يأتي الى هيئة المكافحة متسلحا بخبرة سنوات سابقة في المجال نفسه عندما تولى ادارة مديرية مكافحة الفساد في المخابرات العامة لأن هناك معرفة جيدة حول اوضاع المؤسسات العامة في البلاد واشكال الفساد المنتشرة فيها.

في حديثه الى من يسمون بممثلي المجتمع المدني بدا ان بينو واعضاء الهيئة الجدد يعولون كثيرا على دور هذه الهيئات في العمل الى جانب هيئة مكافحة الفساد كما يعولون على نشر الوعي بمخاطر الفساد وتثقيف فئات المجتمع للحد منه على قاعدة تقليدية تقول الوقاية خير من العلاج.

لكن من الخطورة بمكان ان تنشغل هيئة مكافحة الفساد بدور التوعية في الطوابق السفلية من المجتمع وتترك شاغلي الطوابق العليا حيث الفساد بكل اشكاله وصوره. كما ان الاعتماد على الاجراءات الذاتية لمكافحة الفساد وعلى جهود منظمات المجتمع المدني لن يحقق النتائج المرجوة, خاصة وان العديد من مؤسسات المجتمع المدني تعاني من الفساد والاستغلال غير المشروع للأموال والمنح.

التثقيف والتوعية بمخاطر الفساد امر لا بأس به, لكن التحدي الحقيقي امام الهيئة هو ملاحقة الفاسدين في مواقع صناعة القرار فاولئك يتحكمون بالقرار وبالأموال ويملكون من الصلاحيات مما يسمح لهم بتوظيفها لمصالح شخصية, على حساب المصلحة العامة. ويجدر بنا ان نلاحظ بأن قضايا الفساد التي تعاملت معها الهيئة في السابق والتي تحقق فيها حاليا تخص مسؤولين كبار مارسوا السلطة بلا رقابة او انهم تحايلوا على وسائل الرقابة الموجودة لتحقيق مآربهم.

والعديد من الذين تورطوا في قضايا فساد في السنوات الاخيرة لم يكن ينقصهم الوعي بمخاطره ويعرفون حق المعرفة قواعد الحكم الرشيد وجلهم تلقى تعليمه العالي في جامعات غربية تغرس في طلابها قيم النزاهة والمساءلة والمحاسبة, لكن عندما وجدوا ان بوسعهم ممارسة السلطة بلا رقابة او محاسبة استغلوا الصلاحيات المتاحة ابشع استغلال واثروا من وراء الوظيفة العامة.

في السنوات الاخيرة تعرضت المفاهيم الاساسية عند النخب في الاردن الى تشويه مريع, فصارت السياسة انتهازية, او الفساد شطارة, والسلطة مصالح وامتيازات, وسادت حالة من العداء المستحكم لمبادىء الرقابة والمساءلة وسيادة القانون بزعم أنها من مخلفات الدولة البيروقراطية المندثرة في زمن الانفتاح والعولمة الذي لا يعرف الحدود ولا يقيم وزنا للمصالح الوطنية.

لا نقلل من اهمية التوعية, لكن المشكلة في بلادنا هي عند اصحاب الوعي والمعرفة من اصحاب السلطة الذين افقدوا الناس الثقة ببلدهم وقوانينهم ودفعوا بهم الى الاعتقاد بأن الاعتداء على المال العام والوساطة والمحسوبية هي وسائل مشروعة لتحصيل الحقوق.

الفساد يبدأ من الفئات العليا في المجتمع وينتقل الى الدنيا وعندها يتحول الى ثقافة ينبغي العمل على اجتثاثها. ومكافحة الفساد ان تسير على المنوال نفسه من الاعلى الى الأسفل.

span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span