مقاطعة مجلس النواب: ولمَ لا!

مقاطعة مجلس النواب: ولمَ لا!
الرابط المختصر

نادراً ما يتحدث خطيب الجمعة الذي أصلي خلفه عن “السياسة” لكن أمس تخلى عن عادته وعرّج على موقف النواب من قضية الفوسفات، قائلاً: بأن الله تعالى سيحاسبهم على ما فعلوه من “تغطية” على الفاسدين.

قبل يومين – ايضاً – أخبرني أحد القراء الاعزاء بأنه رفض أن يمدّ يده ليصافح احد النواب الذين صوتوا ضد احالة ملف الفوسفات الى القضاء، الرجل ذكر لي بأنه لا يمكن أن يصافح يدَ نائبٍ تلوثت “بتعب” الاردنيين وفقرهم وتسترت على اشخاص أتهموا بنهب مقدراتهم.

اذا أضفت لذلك الدموع التي ذرفها أحد النواب وكثيرون من الذين أفزعتهم نتيجة “التصويت” في البرلمان، وحالة “الصدمة” التي شعر بها المواطن الاردني آنذاك، وتذكرت – ايضاً – بأن آخر “ورقة” لشرعية هذا المجلس قد سقطت فعلاً، فإن السؤال عن دور المجتمع: بمؤسساته وقواه واحزابه، ناهيك عن موقف الناس، بالردّ الفعلي والجاد (لا بالعواطف والشعارات فقط) على مواقف البرلمان التي أصبحت مكشوفة تماماً ضد خيارات اغلبية المجتمع وتطلعاته نحو الإصلاح، هذا السؤال يبدو مشروعاً وضرورياً ووجيهاً ايضاً.

إذن كيف يمكن أن يكون هذا الردّ؟ بالدعوة الى حل المجلس مثلاً، ربما، لكن هذا سيحتاج الى قرار ووقت ربما يطول نسبياً، بمقاطعة المجلس؟ ربما ايضاً، واعتقد أن لدى المجتمع، بأعلامه وقواه الفاعلة، ما يلزم من “قدرة” على اشهار موقف موّحد لتفعيل هذه “المقاطعة”، وقد يرى البعض في هذا اتجاهاً سلبياً، لكن ثمة ايجابيات عديدة من ابرزها “سحب” الشرعية التمثيلية عن المجلس الذي ثبت بأنه لا يتحدث باسم الناس ولا يعبر عن طموحاتهم، بل على العكس تماماً، فهو يمثل قوى آخرى تقف ضد الاصلاح وتحتشد للدفاع عن “الفاسدين” وتحصينهم ضد المساءلة.

من المفارقات في مشهدنا العام، أن يتصدر الحراك مجموعات من الشباب المهمشين في الاطراف وبعض القوى الحزبية، فيما لا تزال “كتل” المجتمع ومؤسساته ونخبه تتفرج على المشهد، وكأن ما يحدث لا يعنيها، بل ان بعض “النخب” تدفع باتجاه تعطيل الإصلاح خوفاً على مصالحها، والسؤال الآن هو: لماذا يبدو “مجتمعنا” فقيراً سياسياً الى هذه الدرجة، ولماذا لا تنهض مؤسساتنا القانونية والإعلامية.. الخ، للتصدي الى “الازمات” التي تتفاعل داخلنا، خذ مثلاً: لماذا لا تبادر نقابة المحامين الى تشكيل “مطبخا” قانونيا يتولى تحريك قضايا ضد “الفاسدين” وتوضيح الموقف القانوني تجاه كثير من القضايا التي يجري الجدل حولها، وآخرها قضية الفوسفات.

خذ – مثلاً آخر – لماذا لا تبادر نقابة الصحفيين الى اتخاذ موقف ضد النواب الذين صوتوا ضد احالة ملف الفوسفات للقضاء، ولماذا لا تتضامن وسائل الإعلام مع “الناس” في موقفهم من مجلس نيابي خذلهم واستهتر بمطالبهم المشروعة؟

باختصار، يمكن للمجتمع أن يخرج عن “كسله” وصمته، وربما تواطئه، وان يتوجه لمساندة الحراكات التي تدعو للاصلاح، ومعاقبة كل المتورطين في تعطيله او الالتفاف حوله، خاصة بعد أن ثبت بأن الاردنيين غسلوا أيديهم من “المؤسسات” التي راهنوا على أنها تمثلهم او تدافع عن حقوقهم. وفي مقدمتها الحكومات التي أرهقتهم قراراتها، ومجالس النيابة التي “ابكتهم” وصدمتهم مواقف اغلبية اعضائها.

ما لم يتحرك المجتمع للدفاع عن نفسه، واستعادة حقوقه، فإن شيئاً في مشهدنا العام لن يتغير، وهذه حقيقة يفترض ان تدفع الذين ذرفوا دموعهم او رفضوا مصافحة بعض النواب، أن يفكروا في مواقف اخرى منتجة اكثر، تتجاوز ادانة ما يحدث او التعبير عن صدمتها منه الى تغييره بأدوات عاقلة وسليمة ومؤثرة ومقنعة ايضاً.

الدستور