معركة صفّين 2015

معركة صفّين 2015
الرابط المختصر

 

تمرّ اليوم ذكرى معركة صفين، والصراع يشتد في المنطقة –شيعة وسنةً- ولا تجرؤ دولة إسلامية واحدة على وضع مناهج دراسية تقرأ تاريخنا بمنهجية علمية، بدلاً من تدريسه مجتزأ غير متماسكٍ، وما أن يلجأ طالبٌ للاستزادة عنه، فلن يجد إلاّ رجال الدين يروون له "حديث الفتنة"، بصورة أكبر تشوهاً وفق انحيازاتهم المذهبية.

 

تتبنى المؤسسة الرسمية، بذراعيها السياسي والديني، تدريس تراث إشكالي بنسخة مدرسية ضعيفة ومسطحة، وكلما وقع اقتتال بين المسلمين طوال الألف والأربعمائة سنة الماضية، سارع كل طرفٍ إلى التبرير بأن خصمه لا يمثّل الإسلام، من دون الإقرار لمرة واحدة أن الصحابة لم يؤوّلوا آيةً قرآنية أو حديثاً نبوياً لتبرير وجهة نظرهم حول الحكْم، عقب وفاة النبي محمد، وكان نقاشهم برمته نقاشاً سياسياً حتى وقع الخلاف بين علي ومعاوية، حيث ابتدأ توظيف القرآن والنصوص في متاهات السلطة وأجنداتها!

 

في المرة الأولى الذي أراد المسلمون الاحتكام إلى القرآن فشلوا في ذلك، لأن كتابهم المقدس لا صلة له بخلافاتهم حول السلطة، لذلك انفض الجيشان بعد فشل واقعة التحكيم، التي أعقبت صفّين، من دون الوصول إلى اتفاق حول الخلافة، وظل المسلمون منقسمين بين عراق وجزيرة عربية يحكمهما علي، وبين شام ومصر تحت إمرة معاوية، وهي حقيقة تخفيها جميع المناهج الدراسية في البلدان الإسلامية، لكن هناك ما يسترعي الانتباه بأن الفئة الأكثر تطرفاً، وهم الخوارج، رفعت حينها شعار: الحكْم لله لا للرجال، الذي يعتبر الهدف المنشود للجماعات التكفيرية، هذه الأيام، ولكل تيار ديني يدعو إلى إحياء الخلافة حالياً.

 

يضيف المفكر حسين مروّة في كتابه "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" أن الخوارج قالوا أيضاً إن الإيمان يتطلب تطابق الاعتقاد والعمل، وبذلك نظروا إلى العباد إما مؤمنين أو كفاراً، ويستوجب على الفريق الأول أن يقتل الفريق الثاني، بطبيعة الحال.

 

عند تلك المعركة الفاصلة، ابتدأ خلط الدين بالسياسة، فادعى الخوارج إقامة "حكْم الله وشرعه"، وفي سيبل رؤيتهم المثالية، التي لم ولن تتحقق ذات يوم، أسسوا للعنف نظرية وممارسة، لتكون داعش آخر منتجاتها، وربما أتى "خوارج" أكثر دموية وتطرفاً في المستقبل. على أن "ورثة التحكيم" من شيعة وسنة لم يكونوا بعيدين عن "العنف" –وإن اختلفت درجته- بل يمكن الإشارة إلى أنهم شكلوا رافداً للتطرف عبر العصور.

 

يرفض السنة والشيعة تقديم قراءات موضوعية للتاريخ الإسلامي تأخذ بالحسبان مكوّنات المجتمع والاختلافات بينها لدى انطلاق الدعوة المحمدية، فلا يقيمون وزناً لتنافس طبقات المجتمع وفئاته، وإلى نشوء تيارات (تدافع عن مصالحها) بين الصحابة، ويصرون على اعتبار كل ما جرى بأنه فتنة محرضها "الشيطان" لدى السنة، أو تعدٍ على حق علي في الخلافة لدى الشيعة، وإلى تدخل جهات خارجية (لا مسلمة) فيها بدءاً من عبد الله بن سبأ، ومروراً بالأتراك والفرس في الفترة العباسية، وانتهاءً بتدخلهما مرة جديدة في عصرنا الراهن.

 

عوضاً عن مراجعة علمية لإرثنا الشائك، انكب فقهاء "النواصب" و"الروافض" على مراكمة مدونة كاملة تعزز وجهة نظر كل منهما المعادية تجاه الآخر، وكما سعى الخوارج إلى غاية لا تدرك، وهي "حكْم الله لا الرجال"، وإن سفكت أنهار من الدماء، فإن الشيعة والسنة اختلفوا على الرجال واقتتلوا على شرعية حكمهم، وسالت بحيرات دم من غير أن يصلوا إلى توافق.

 

في مثل هذا اليوم من عام 37 هـ اندلعت الحرب بين علي ومعاوية، وشارك في جيشهما جلّ الصحابة، وكان قتالاً دامياً، لا زلنا نختصره بزعم حدوث "فتنة"، بينما يعلم الدارسون أنه صراع على السلطة، تغذى على تضارب مصالح طبقات المجتمع وفئاته من القبائل والموالي، ونتيجة خلل في إدارة الحكم وتوزيع الثروات منذ عثمان بن عفّان على أقل تقدير.

 

لم يتغير شيء إلى لحظتنا الراهنة، فالأطراف المتنازعة ترى نزاعها مبنياً على أسس دينية، وكلٍ يحاول إثبات صحة إسلامه مقابل انحراف خصمه عن المعتقد، وتغييب متعمد للعوامل الموضوعية التي أورثتنا الخراب!

 

  • محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.
أضف تعليقك