مطبخ رمادي
بالرغم من نجاح رئيس الحكومة في الحفاظ على التكتم الشديد على أسماء الطاقم الجديد في إعادة التشكيل، فإنّ عنصر الصدمة والمفاجأة كان محدوداً لدى الرأي العام، ذلك أنّ ثلثي الوزراء تقريباً من الفريق السابق، ولأنّ المعلومات كانت واضحة قبل إعادة التشكيل بأنّ الأقطاب المخضرمين قد تأكّد خروجهم مسبقاً.
في الملامح المباشرة للحكومة الجديدة سنجد عسراً كبيراً في تحديد العنوان السياسي لها مقارنةً بحكومات سابقة كانت أكثر وضوحاً في وجهتها السياسية، أو كان هنالك أقطاب مخضرمون يلقون بظلال واضحة على هويتها منذ اللحظة الأولى، كما كانت الحال في الحكومة السابقة للرفاعي نفسه.
إذا كانت هنالك مفاجأة في الفريق الجديد فتكمن في غياب شخصيات مخضرمة سياسية حلّت محل السابقين، وربما الملمح الرئيس هنا يتمثّل بدخول أيمن الصفدي إلى الحكومة الجديدة بصفته نائباً لرئيس الوزراء وناطقاً رسمياً، ما يعني أنّه سيقوم بدور سياسي محوري في المرحلة المقبلة.
انتقال الصفدي من الديوان إلى الحكومة مباشرةً، بعد أن أمضى عامين في موقعه مستشاراً للملك ومطلاًّ على المشهد السياسي، يوفّر له قدراً كبيراً من الإدراك لمسارات التعثر والإخفاق والتباطؤ، وفي المقابل الأولويات السياسية لدى الحكومة.
من المعروف عن الصفدي حدّته وصرامته في تطبيق ما يؤمن به. وإن جاز لنا تصنيفه سياسياً فهو أقرب إلى التيار الإصلاحي- المحافظ، بمعنى أنه يؤمن بضرورة الإصلاح السياسي، والمضي قدماً نحو دولة المواطنة والقانون والمؤسسات، لكن بخطوات هادئة متدرجة تراعي الأبعاد المختلفة، وضمن الخط الرسمي والابتعاد عن الاشتباك بالخطوط الحمراء، ذلك قد يثير التباساً لدى المراقبين حول وجهة الرجل وأفكاره السياسية، طالما أنّه يفضّل أكثر التعبير عنها في الغرف المغلقة ومراعاة الحساسيات الرسمية.
الخط السياسي للصفدي يقترب من وزير التنمية السياسية موسى المعايطة، وإن كانت تجربة الأخير الحزبية تجعله أكثر صراحةً ومرونة في التعبير عن أفكاره الإصلاحية، مقارنة بتجربة الصفدي التي انخرطت في أغلبها ضمن مؤسسات الدولة.
ما يُذكر للوزير المعايطة أنّه استطاع، بذكاء، خلال المرحلة الماضية أن يخلق مساحةً جيدةً لوزارة التنمية السياسية في المطبخ الحكومي، وقد حمل زمام المبادرة في العديد من القضايا، بخاصة الحوار مع المعلمين وعمال المياومة، وتحسين شروط الانتخابات النيابية، وكذلك كان من دعاة الحوار مع الحركة الإسلامية داخل الأروقة الرسمية.
ينضم إلى المطبخ السياسي نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الجديد سعد هايل السرور، وبالرغم أنه، تقليدياً، قريب من خط الدولة الرسمي، إلاّ أنه يمتلك قدراً من المرونة والخبرة البرلمانية التي قد تساعد زميله وزير الشؤون البرلمانية القادم من النقابات أحمد طبيشات، في ترسيم معالم مقاربة جديدة، كما ورد في كتاب التكليف للحكومة الجديدة.
من الصعوبة، ابتداءً، الحكم على توليفة المطبخ السياسي، فهي ليست ذات نزوع محافظ أو إصلاحي صرف، بل هي ذات طابع مرن، لكنها تفتقد إلى خبرة الجيل السياسي المخضرم، والثقل السياسي لدى الرأي العام، إذا لم تتم الاستفادة من قدرات د. خالد الكركي وبلاغته المعروفة في هذا الشأن.
المعضلة الدائمة في هذه الحكومة، وما سبقها من حكومات، تكمن في آليات التشكيل وعقلية المحاصّة الجغرافية والتخمين وغياب معايير واضحة راسخة تُنخّل من يأتون إلى الوزارة، ما يمنح عامل الحظ والعلاقات الشخصية نصيباً كبيراً.
span style=color: #ff0000;الغد/span