مصالحة مالية مع الكردي.. لمَ لا ؟!
لافت للانتباه جداً مضمون الكلام بين لجنة النزاهة النيابية ورئيس هيئة مكافحة الفساد، قبل يومين، حول ملف وليد الكردي الذي يطالبه القضاء بأكثر من نصف مليار دولار على خلفية ملف الفوسفات.
النزاهة قررت الطلب من الحكومة أن تصدر مذكرة جلب بحق الكردي، وهذا يتطابق مع ما قلته قبل أيام في مقال سابق، بعنوان.. «لندن لا تعرف شيئا عن الكردي»..إذ لا مذكرات جلب دولية بحق الكردي حتى الآن، وما زال تنفيذ الحكم عليه مجمداً لأسباب مجهولة.
من اليوم نحذِّر من اصدار مذكرة جلب تبقى داخلية، ونريد أن نرى مذكرة جلب بصورتها الدولية، ونسخة عنها من الجهة التي تتلقاها لا التي تصدرها، حتى لا يتم اصدارها هنا، بصورة شكلية، ويتم ابراز نسخة كاذبة لإسكاتنا، فيما هي لم تخرج فعلياً خارج الحدود.
ثاني القضايا اللافتة للانتباه، ما قاله رئيس مكافحة الفساد، حول ايمانه بالمصالحات المالية في قضايا الفساد، تحت عنوان: «نريد العنب ولا نريد أن نقاتل الناطور» وهذا كلام يؤمن به كثيرون، لأن الهدف ليس التشهير بالناس وابنائهم وبناتهم في نهاية المطاف، هذا على الرغم من ان كلفة تجويع عشرات آلاف أبناء الاردنيين، هي الأعظم في نفوسنا، قبل ابناء من ارتكب اي فساد.
لمن لا يعلم هناك قضايا كثيرة تمس اسماء معروفة في البلد، وبعضها كان رسمياً، تم فيها اجراء مصالحات مالية سرا، ولا أريد أن اكشف التفاصيل هنا، الا اذا انكرت اي جهة ان المبدأ تم تطبيقه في بعض الحالات، وهي حالات تم عبرها إعادة أموال وممتلكات، دون ضجيج، ومن اسماء رنانة، حظيت بفرصة «ضب الطابق» لاعتبارات تتعلق بقيمة مواقعهم السابقة قبل شخوصهم.
غير أننا في حالة الكردي نوجه غرابة عز نظيرها، فالدولة لا تلاحقه، والرجل لا يعترف بحكم المحكمة، ونفى سابقا نيته إجراء أي مصالحة مالية، باعتبار ان المصالحة هنا اعتراف بالسرقة والفساد.
غريب حقا هذا، فكلفة سوء السمعة التي تلاحق الكردي وافراد عائلته، وفيهم أبرياء لا حول لهم ولا قوة يجب ان تضغط عليه للتخلص من كل ظلال القصة، ولا أفهم كيف يقبل شخصيا ان تمتد سوء السمعة الى من حوله وحواليه، وهم ابرياء اساسا من فعلته؟!.
الذي يكون كافراً يتوب ويغفر له الله، فما المشكلة لو خرج الكردي وأعلن أنه اخطأ وانه سيعيد المبالغ المطلوبة في سياق مصالحة مالية، والاعتراف الضمني هنا، عبر المصالحة، يغلق كل هذا الملف؟!.
خروجه واعلانه هذا الكلام، قد يكون اعترافاً بالجريمة، غير انه سيخفف حدة الغضب عليه، وقد يلقى كلاماً اقل لوماً من الواقع الحالي، فهو متهم في كل الحالات، حتى لو لم يعترف بالجريمة او بحكم المحكمة.
غير ان قبوله بمصالحة مالية، أرحم له ولعائلته من الواقع الحالي، ولا أعرف كيف ينام رجل مثل هذا، سُيورِّث لأبرياء من عائلته حملا ثقيلا، جيلا بعد جيلا، لن يخفف منه لا...رغد العيش، ولاهانئ الحياة.
حين أرى موجات التفلِّت والغضب في الجنوب، وآخرها من المتعطِّلين عن العمل في معان، اتبسم بمرارة، فهؤلاء ليسوا قطاع طرق، اذ انهم يطلبون بحقهم في بلدهم، وهو حق منهوب، وكلفة قمعهم عبر الغاز المسيل خلال ثلاث سنوات، لو جمعناها لكانت كفيلة بتشغيلهم، فوق نهب موارد البلد، جنوب المملكة، حين يعيش الناس فوق كنوز من الموارد، ومن فوق الكنوز هم في أفقر حال.
لا ننزع الى التحريض، فهذا فعل رخيص، لكننا ننزع الى القول إن مواصلة قراءة العربية من اليسار الى اليمين، سبب بكل هذه المشاكل، ولا بد من قراءة العربية كما هي، من اليمين الى اليسار، عندها فإن المرفوع مرفوع، والمنصوب منصوب.
في حالة الكردي، لا رجل جلبنا، ولا مال استرددنا، وكل المعالجات تخضع لغموض مريب، ولابد أن نقف أمام توقيت فاصل، إمَّا جلب الرجل الذي لا يعترف بجرمه بوسائل دولية، بدلا من هذه «الاستغماية»، وإمَّا اقناعه بتسوية مالية يعيد فيها مالنا، وليذهب بعدها الى جزر المالديف ليسبح مستمتعا فيما تبقى من حياته بعيداً عنا، بانتظار غرق الجزيرة.
حتى الآن لا عنب أخذنا، ولا ناطور قاتلنا!.
الدستور