مشهد من الذاكرة

مشهد من الذاكرة
الرابط المختصر

المشهد الذي رأيناه بالأمس في تركيا، بغض النظر عن نهاياته المحتملة أو غير المحتملة اليوم، يذكّرني بمشهد قديم، عشته، وكنت واحداً من أحد عشرات الآلاف الذين كانوا شهوداً على وقائعه كما حدثت على أرض الواقع.

إنه مشهد انهيار الاتحاد السوفيتي، وانقلاب يلتسن الشهير على الدولة السوفيتية، الذي انطلق من رفض ما أسماه بـ«الإنقلاب»، ثم توّج ذلك بمشاهد تلفزيونية صعد فيها فوق دبابة دبابة مسالمة، كان صعد فوق مثلها وقريباً منها، قبله، اثنان من بلدتي مليح، التي تقع قرب مادبا، صدّف أنهما كانا يقضيان إجازة في موسكو حينها..

ولكن هنا، أردوغان ليس يلتسين الصاعد حينها. ولكنه تماماً غورباتشوف الذي استنفذت السياسة الدولية غرضها منه، في وقت ترى أن الساحة المحلية في الدولة السوفيتية ترشح الكثيرين ممن هم أقوى وأكثر شعبية منه، وأقل كلفة وإزعاجاً.

بمعنى، أن الرئيس التركي في كل الأحوال انتهى، لأن الوضع التركيا انفجر. وبقاء اردوغان في موقعه لا يعني أنه فاز، تماماً كما أن من يعتقد أن الإطاحة به هي النتيجة الأهم هو بالضرورة واهم..

في وضع مثل هذا، الذي اتضح أن ليس لأردوغان أصدقاء ولا راغبين في الاحتفاظ باستثماراتهم فيه، لا يعود الأمر متعلقاً به، وبمستقبل حزبة، ولا بكل النخبة السياسية، ولا بالجيش، ولكن بتركيا كدولة وطموحاتها التي اتسعت وأصبحت في لحظة خيلاء عظموية..

لا تحتاج تركيا إلى الدخول في حرب أهلية، ولا ينتظر أن تنهار على غرار النموذج السوفيتي، لكي تنكفئ على الداخل، وتعيش صداعها الخاص، الذي يشغلها عن الهرب أماماً باتجاه تلك الطموحات الكارثية التي قادتها من «العلمانية» المتطرفة إلى الإسلاموية المتطرفة!

وفي المحصلة، فإن تركيا التي استلمها حزب العدالة والتنمية من عهد رئيسة الوزراء تانسو تشيللر، تمثّل مشروعاً أوروبياً، مقلقاً لقوى دولية وأوروبية وإقليمية، أوصلها اليوم إلى ما يعدّه لها خصومها الحقيقيون: حضيض الشرق الأوسط.

ولا يختلف الأمر أن كان هذا حضيض عسكري، أم اقتصادي، أم سياسي!

 أردوغان السياسي اليوم وحيد، لا أصدقاء له، ومن كل دول العالم لم يصدر تصريح واحد فوري، ولا حتى بعد ساعات، يتعدى حدود التهرب من إدانة الانقلاب. بل على العكس جاءت أغلب التصريحات تشفّ عن تمني نجاح الانقلاب..

بالطبع، مع وعي أن الانقلاب نجح أو لم ينجح، فقد أدى غرضه تماماً!

وأردوغان السياسي اليوم، لا يذكر بغورباتشوف في عزّ ضعفه فقط، بل ويحيلنا إلى بل ويذكرنا بنموذج محمد مرسي المصري، مع فارق أن محمد مرسي يواجه حكم الإعدام في قفص الاتهام في المحكمة، بينما اردوغان لا يزال يمتلك فرص البقاء، ولكنه رغم ذلك يواجه الإعدام في السياسي في المشهد الدولي المفتوح..

يلح عليّ عقلي باستعادة مشهد اسطنبول، أمس، فأتذكّر من خلاله المشهد السوفيتي مع الفوارق التي لا تسعف، ويضطرني إلى استعادة وجه غورباتشوف فأتذكر اردوغان..

يمكن القول، إن كلّ من في تركيا اليوم، بلا استثناء، هم أقوى من اردوغان نفسه!  

ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.

أضف تعليقك