مشهد العنف في السلط: السؤال الأصعب!
لم أستطع الانتظار طويلاً ليلة السبت وأنا أستمع وأقرأ الأخبار المتضاربة حول أحداث العنف في السلط، فتوجهت إلى المدينة بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً، لأكون على تماس حقيقي مع الأجواء التي تسود هناك.
على مدخل المدينة كانت هنالك مدرعات تابعة للأمن تستعد للدخول، واضطررت إلى الالتفاف عبر طرق فرعية حتى تمكنت من الوصول إلى وسط المدينة الذي انتقلت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الدرك منه إلى مناطق مجاورة، بعد أن تركت آثاراً كبيرة على الطرقات ومبانٍ حكومية ومالية، وكان هنالك أهال ما يزالون يتقاطرون إلى المستشفى بصعوبة بسبب الغاز المسيل للدموع.
أصوات الهتافات والغاز المسيل للدموع كانت تسمع في أرجاء متعددة من المدينة، بعد أن انقطعت الكهرباء عن بعض المناطق.
بالطبع، فإنّ السبب الرئيس المباشر وراء الأحداث هي الشبهات التي أحاطت بإصابة شاب بجروح خطرة جداً واتهام ذويه لرجال الأمن بالمسؤولية عن ذلك، وهو ما أكد تقرير الأمن لاحقاً أنه يُجري تحقيقاً في ذلك (مع أنّ الرواية الأمنية الأولية التي توحي بإخلاء مسؤولية الأمن كانت تقتضي التريث إلى حين انتهاء التحقيق)، ثم جاءت زيارة وزير الداخلية الموفقة (لكن المتأخرة) لتؤكد مسؤولية الأمن وتعيد الهدوء.
لكن، ما الذي دفع مئات الشباب من مختلف عشائر المدينة إلى التجمع في مساء ذلك اليوم بصورة سريعة وأدى إلى مواجهات مباشرة مع قوات الدرك؟ ولماذا فشلت جهود قيادات المدينة ووجهائها في احتواء الأزمة منذ بداياتها. هذا هو السؤال المهم والرئيس الذي يستحق دراسة عميقة تنطبق على السلط وغيرها من مناطق شهدت مواجهات مماثلة؟
من التقيتهم خلال ليلة السبت من أبناء المدينة من الجيل الجديد من الشباب يؤكدون أنّها المرّة الأولى التي يشاهدون فيها هذا التجمع الكبير وأحداث عنف وتكسير وإحراق إطارات ومواجهات قاسية مع الأمن بهذه الصورة غير المألوفة في المدينة.
أحد الشباب المشاركين في العنف علّل ذلك بالاستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى حالات اختناق وهلع في المنازل المحيطة واستفزّ الشباب الموجودين. لكن ما يمكن التقاطه بوضوح شديد في نقاش عدد كبير من هؤلاء الشباب هو حالة الاحتقان والشعور بالغضب الشديد لديهم والقلق من الأوضاع الاقتصادية والفراغ الفكري والروحي.
الملاحظة الرئيسة التي أدعو أصحاب القرار، ومن يبدعون في قوانين انتخاب عجيبة وسياسات تحارب ولادة حياة سياسية وحزبية حقيقية، إلى التماسها أنّ العنوان الرئيس في مشهد العنف في السلط هو تحدي قوات الأمن من الشباب الذين يهتفون باسم السلط، أيّ أنّ الشعور بهوية المدينة يتغلغل في هؤلاء الشباب على حساب الهوية الوطنية وتراجع الثقة بالدولة ومؤسساتها المختلفة.
المفارقة أنّ هذه المواجهات أتت غداة الانتخابات النيابية التي يفترض أن أحد أهدافها الرئيسة هو تفريغ شحنات الاحتقان وامتصاص الغضب من خلال عملية الترشيح والانتخاب، ثم عبر مجلس يعكس آراء الناس ومصالحهم ومطالبهم، لكن ما حدث عكس مشهداً مغايراً تماماً يمتلئ بالإحباط والقلق، تحديداً لدى جيل الشباب الجديد، ما يعني أنّ الانتخابات فقدت قيمتها الحقيقية في تجسير الفجوة المتنامية بين المجتمع والدولة.
إذا كان مطبخ القرار يريد، بحق، دولة القانون والمواطنة والمؤسسات، فإنّ المسار المطلوب مختلف تماماً عن المسار الحالي، وإذا كان هنالك من يخشى دفع ثمن الإصلاح، فإنّ البديل أخطر بكثير!
الغد