هل نحجت مسيرة “الجبهة الوطنية للاصلاح” في اعادة الحراكات الشعبية الى اطارها السياسي الذي انطلقت منه قبل نحو عامين؟ قبل الاجابة عن ذلك لا بدّ من الاشارة الى مسألتين: احداهما ان ثمة احساسا لدى البعض بأن وظيفة “المسيرة” اصلا كانت “استيعاب” الحراك ومحاولة اعادة روح السلمية والعقلانية اليه بعد التحولات التي طرأت عليه اثر قرار رفع الدعم في 13 تشرين، اما المسألة الاخرى فتتعلق بالحسابات السياسية التي يبدو انها ترتبط في منطق البعض “بالزخم” الذي يشهده الشارع.
اذا دققنا في السؤال الذي طرحناه سلفا سنكتشف بان سقف “خطاب” رئيس جبهة الاصلاح الاستاذ احمد عبيدات كان “مرتفعا” صحيح انه التزم بشعار “اصلاح النظام” لكنه عكس ما يطالب به الشارع تماما ابتداء من ملف الفساد الى الانتخابات الى وصفة الاصلاح “غير المقبولة..”، ومع ذلك سمعنا بعض التحفظات التي ذهبت بعيدا في ادانة “الرجل” والتشكيك في مواقفه؛ ما يعني اننا امام بوادر “تغيير” في مزاج الحراكات الشعبية، وقد يتصاعد في المستقبل، وهذا التغيير لا يتعلق فقط بالبحث عن اطار جامع لهذه الحراكات او “آليات” عمل جديدة، وانما يتعلق بمنظومة الافكار والشروط التي تحملها، او ان شئت خطابها العام الذي يعكس رؤيتها وممارساتها في المرحلة القادمة.
اذا اتفقنا على ان مسيرة “جبهة الاصلاح” كانت مجرد “بروفة” اخرى لما شهدناه في “مسيرة انقاذ الوطن” التي نظمها الاخوان المسلمون، وبأن مثل هذه “البروفات” ستتكرر مستقبلا، فيما يعني ان “الحراكات” لم تقبل بعد “بعروض” التأطير والاستيعاب، وبأنها لم تلق عصاها بعد، فان السؤال الذي يفترض ان نطرحه هو: الى اين نسير؟ وما هي ملامح الافق السياسي الذي بدأ يتشكل امامنا في هذه المرحلة؟
ثمة تصوران: احدهما يرى ان الاحتجاجات الشعبية استنفدت طاقتها وبلغت اقصى ما يمكن ان تصل اليه بعد 13 تشرين، ثم ان اختبارها في مسيرة الجمعة اكد بان “خيار” الدولة في الاصلاح ومقرراتها الاقتصادية ايضا هو الخيار الصحيح، وبالتالي فان ذلك يعطي الضوء الاخضر للذهاب الى محطة “الانتخابات” ولا بأس –اذا لزم الامر- من تحسين بعض الظروف السياسية لضمان “اعتدال” مزاج الشارع واغرائه بالذهاب الى الصناديق والمشاركة بالتصويت.
ثمة تصور اخر يرى ان الحراكات ما زالت تمتلك القدرة على المناورة وعلى الحضور ايضا، صحيح انها “عقلانية” وانها استعادت ايضا توازنها لكن الصحيح ايضا هو انها بعد 13 تشرين اصبحت اكثر امتدادا واكثر “ثقة” بنفسها، ومع انها لا تشكل خطرا على الامن وعلى المعادلات القائمة الا انها فتحت الباب امام بروز “حراكات” اشبه ما تكون بالخلايا النائمة، وهذه يصعب رصدها او التنبؤ بردود افعالها او حتى “بالمشاركين” فيها، ما يعني اننا امام “حالة اجتماعية” جديدة افرزتها ازمة اقتصادية صعبة وانسدادات سياسية متراكمة، وبالتالي فان الحكم على الحراكات من خلال “المسيرات” قد لا يكون صحيحا، ثم ان اختبار حالة المجتمع من خلال “حركة الشارع” قد لا يكون مفيدا ايضا.
مشكلة اصحاب مثل هذه “التصورات” انهم يعتقدون ان ثمة مكاسرة بين “المسؤولين” والحراكات، وبان هذه المعركة لا بدّ ان تحسم بشكل عاجل لصالح الدولة، ومع ان هذا التصور مغشوش ومخيف ايضا الا انه يصنع حالة من “التحدي” غير الايجابي، ويفرز خيارات “اقصائية” ويغلق باب الحوار ويعمق فكرة “افخاخ الخصم”.
ما العمل اذن؟ اعتقد بان امامنا فرصة للتفكير “بمبادرة” او بخيارات “صادمة” تخرجنا جميعا من معادلة “غالب ام مغلوب”.
الدستور