مرة أخرى .. عن الأردن وحماس

مرة أخرى .. عن الأردن وحماس
الرابط المختصر

يبدو أن جدران الجليد التي غلّفت العلاقة بين الأردن وحماس، قد ذابت تماماً، أو هي في طريقها إلى ذلك...قنوات الاتصال المباشر وغير المباشر، نشطت مؤخراً، وعلى مستويات أمنية وسياسية غير مسبوقة منذ سنوات، حتى أن بعض التوقعات المتفائلة، ذهبت أبعد مما كنا نطالب به أو نتحدث عنه، طوال الفترات القليلة الفائتة.

من جانب حماس، وعلى الدوام، كان هدف استعادة اطيب العلاقات مع الأردن، في صدارة الأولويات، وكاتب هذه السطور مطلٌّ شخصياً على بعض فصول المحاولات الحمساوية المحمومة لشق "طرق التفافية" حول العقبات التي كانت تضعها بعض دوائر صنع القرار في طريق استعادة العلاقة بين الحركة والحكم...ولطالما استمعت شخصياً لأحاديث مسؤولين كبار من حماس، في جلسات خاصة وعامة، باحوا في خلالها بما يعتمل في الصدور والقلوب من نوايا ورغبات وتطلعات.

ولقد كانت الحركة على أتم الاستعداد لمراعاة ما يخطر في بال هذه الدوائر من تحفظات ومخاوف...كانت على استعداد للقبول بقنوات اتصال أمنية في البدء، والاكتفاء بإجراء اتصالات سياسية مكتومة...لم تطالب بعودة المكاتب والمبعدين...كل ما كان يخطر في البال قبل عامين أو ثلاثة أعوام، لم يتعد، شق الطرق وتفتيح قنوات التواصل، وتبادل المعطيات والتقديرات، والحرص على أن تسمع القيادة الأردنية "من حركة حماس وليس عنها"، وهذه العبارة لرئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، قالها لكاتب هذه السطور.

والحقيقة أنني وجدت صعوبة في فهم كنه "الصدّ" وأسباب الرفض اللذين كانت تقابل بهما، كل محاولة يبذلها هذا الوسيط أو ذاك لترطيب الأجواء و"رفع الفيتو"...لقد طاف خالد مشعل وصحبه، كل الدول العربية من دون استثناء...زاروا دول الاعتدال العربي جميعها، بما فيها أكثرها حذراً وتحفظاً، إلا عمّان ظلت عصيّة عليهم، اللهم باستثناء زيارات سرية لمحمد نزال ومحمد نصر عضوي مكتب الحركة السياسي، وزيارتين إنسانيتي الطابع لرئيس الحركة.

على أية حال، نحن استبشرنا خيراً بزيارة خالد مشعل الأخيرة للأردن، حتى وإن جاءت في سياق إنساني، ...وطالبنا بأن تندرج زيارات مشعل ورفاقه لعمان، في سياق سياسي، لا إنساني مجرد...يومها اتصل "أبو الوليد" موضحاً وشارحاً، وأعاد على مسمعي عبارات التقدير والشكر لمن جعل حدوث تلك الزيارة، امراً ممكناً.

اليوم، تبدو الأمور قد دخلت في سكة جديدة، والعلاقة مع حماس، باتت مندرجة في سياق سياسي...حتى الأخ "أبو العبد" إسماعيل هنية، الذي لم يترك فرصة تمر، دون أن يشيد فيها بدور الأردن الإنساني الداعم لأهل غزة، صار بمقدوره أن يهاتف رئيس حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، ليضعه في صورة التطورات المحيطة بصفقة شاليط...وقبلها كان وزير الصحة الفلسطيني، في حكومة حماس بغزة، يزور عمان، في سياق غير سياسي، ولكن غير مسبوق أيضاً منذ أن تعطلت زيارة القيادي الحماسي محمود الزهار للأردن، والذي كان يشغل في حينها، منصب وزير خارجية فلسطين.

ولن يكون بمقدور المراقب أو المحلل السياسي، أن يفصل بين عودة الروح لعروق العلاقة بين حماس والأردن من جهة، وإتمام صفقة تبادل الأسرى من جهة ثانية... ثمة تزامن قد يتكشف عن صدفة، وقد يتكشف عن ضرورة، بمعنى هل كان الأردن يفضل أن يرى هذا الملف مغلقاً قبل أن يفتح مرحلة جديدة في علاقته مع حماس؟... من جهتي، لا أرى ضرورة لربط هذه بتلك.

المهم، أن الحياة قد دبّت مجدداً في عروق العلاقات الثنائية وشرايينها المتيبّسة...المهم أننا أمام خطوة أردنية في الاتجاه الصحيح...لا تعني بالضرورة تبدلاً عميقاً في خريطة المواقف والمواقع والتحالفات....ولا تعني استبدال العلاقة مع حماس، بالعلاقة مع السلطة والمنظمة...المهم أن تكون عودة العلاقة الأردنية الحماسية، في سياق انفتاح أوسع وأشمل، يمكن الأردن من الاضطلاع بدوره في عدد من الملفات الفلسطينية المعقدة، بما في ذلك ملف المصالحة الذي يبدو أنه سيشهد بدوره، مرحلة من الانفراج، بعد سنوات من انفجار العلاقات الفلسطينية الداخلية.

لن يكون بمقدور أي طرف عربي أو إقليمي أو دولي، أن يدعي قدرته على التأثير في مجرى الأحداث والتطورات الفلسطينية، وهو على "قطيعة" مع مكون فلسطيني رئيس، كفتح أو حماس...لن يكون بمقدور أحد أن يطالب حماس بأن تبتعد عن هذا المحور أو ذاك، وهو يغلق كل الأبواب في وجهها...لقد كتبنا في هذه الزاوية قبل خمس سنوات، منذ فوز حماس في انتخابات عام 2006، بأن أي باب يغلق في وجه الحركة في القاهرة وعمان والرياض، ستفتح مقابله عشرات الأبواب في دمشق وطهران... وأن من "الخطل" مطالبة الحركة بفك عرى تحالفها مع هذا المحور، فيما المحور الثاني يدير لها أذناً من طين وأخرى من عجين، بل ويراهن على سقوطها.

الدستور