مرة أخرى، مأساة طفل الرصيفة

مرة أخرى، مأساة طفل الرصيفة
الرابط المختصر

يتقطع القلب على كل طفل في حلب أو طفس أو داريا .. يختنق تحت الركام بفعل برميل متفجر، كما يتقطع على ابن الطيار الذي يلقي البراميل ويسقط الثوار طائرته وينشأ يتيما، وتتكرر الحال حين تجد أطفالا يسجنون ويعذبون في سجون مصر لأنهم رفعوا أربعة أصابع، وتتقدم مأساة أطفال إفريقيا الوسطى الذين تقطع أطرافهم بسواطير الموز، وتحمد الله أنك لست في تلك البلاد.

 الحمد لله، لكن لندرس تلك المآسي وكيف يتحول البشر إلى وحوش لا تقيم وزنا للإنسان ولو كان طفلا.لا شك أن النظام التعليمي والتنشئة الاجتماعية يلعبان دورا محوريا. في مأساة طفل الرصيفة  تفاصيل مروعة لوحوش تعيش بيننا. جعلت الطفل الصغير يفضل الانتحار على العيش بينهم. الوحوش ليس الأطفال المتنمرين الذين يستقوون على الطفل الذي ولد من غير أصابع بيده، بل إدارة المدرسة والتربية وصولا للوزير الذين لم يقوموا بواجبهم لحمايته، ولم يكشفوا لنا نتائج التحقيق في ما حصل معه، إن كان جرى تحقيق أصلا.

 في صحيفة محلية "هنا الزرقاء" تقدم الصحفية فضة العبوشي رواية مأساوية للجريمة التي تكشف سماكة جدار الإهمال، حتى بعد أن انتحر الطفل. في التحقيق الطفل متفوق وصورة لشهادة تقدير على تفوقه في حفظ القرآن. لكنّ رفاقا متنمرين حولوا حياته إلى جحيم، لنعيش مأساته. "كان الأولاد  يسخرون من يده، "ويضربون يده بالحنفية، وحتى البنات كن يشاركن في ضربه والسخرية منه تضيف طالبة، "لم تكن أي من المعلمات تتدخل، وهو أيضا كان يخجل من الشكوى لهن".

 لم ينته الفصل الأخير في مأساة مصطفى ابن الثماني سنوات، فإدارة المدرسة رفضت الحديث، ومديرية التربية بحسب الصحيفة "فوجئنا بنفي المسؤوليين علمهم بالحادثة" ورد أحدهم "المديرية لا علاقة لها بالأمر ما دامت الواقعة حصلت خارج المدرسة". وألقى الموظف الذي فضل عدم ذكر اسمه باللائمة على "الأهل الذين اتهمهم بالتقصير بسبب عدم تقديمهم شكوى رسمية"!

 ليس المطلوب أن نلطم على مصطفى، فهو بين يدي أرحم الراحمين، المطلوب أن لا تتكرر المأساة، وأن نعرف ماذا يجري في مدارس الأطفال الحكومية والخاصة.

في مدرسة خاصة من ذوات النجوم الخمسة يقوم طالب (والده طبيب!) بوضع رأس زميله بالمرحاض. في مدرسة في الأغوار يتناوب خمسة فتيةعلى اغتصاب طفل. مثل هؤلاء الطلاب يذهبون للجامعات ويفجرون طاقات العنف لديهم في كل الاتجاهات، وبعد ذلك يعملون في المؤسسات وهم بالعقلية ذاتها.

لم يضع الإنسان رجله على سطح القمر لأن النظام التعليمي في الولايات المتحدة ركز على المهارات العلمية وحدها، بل لأنه يشيع القيم الإنسانية بين الطلاب. لذا نجد عبقريا مثل بيل جيتس يوقف جزءا كبيرا من ثروته لصالح أمراض الأطفال في أفريقيا، ولم يوقفها لصالح أطفال الولايات المتحدة.
لا يقاس نجاح النظام التعليمي بكيفية تعامله مع المتفوقين بل بتعامله مع الفئات الأضعف سواء جسديا أم دراسيا.

مقتل النازية التي انتهت بانتحار الزعيم الجبار هتلر أنها اعتبرت نهوض المجتمع بإلغاء الفئات الأضعف والاعتماد على الفئة العليا المتفوقة عرقيا وعقليا وجسديا .. وللأسف في مجتمعاتنا هتلر لا يزال حيا.

لقد عجزنا عن إنقاذ حياة مصطفى، ولم يهز رحيله المفجع جدار الإهمال في وزارة التربية والتعليم، ولا في المجتمع، وإن بقيت الحال كهذه، فقد نفجع بمآس أخرى.

نترحم على مصطفى وعلى ضمائر ماتت من قبله ومن بعده. إن الأطفال لا يقتلون بالبراميل المتفجرة وحدها، واحتقار النفس البشرية المفردة احتقار لنفوس البشر جميعا "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". لنفكر كيف نحيي رفاق مصطفى الذين يستباحون إلى اليوم وسط إهمال قاتل.

سؤال أخير، ألا يعتبر ما كتبه الزملاء باتر وردم وإبراهيم غرايبة وفضة العبوشي شكوى رسمية تستحق تحقيقا من الوزارة؟!

الغد