مذكرة النواب: موت خطوة شجاعة

مذكرة النواب: موت خطوة شجاعة
الرابط المختصر

بغض النظر عن القراءات الكثيرة التي حاولت سبر غور أسباب النواب في توقيعهم المذكرة النيابية التي طالبت بطرح الثقة بحكومة الدكتور عبدالله النسور، إلا أن السياقات التي تجري فيها الشؤون المحلية في الآونة الأخيرة، تشي بـ"عادية" توجه كهذا.

لا يمكن النظر إلى مسألة المذكرة التي وقعها، في البداية، 87 نائبا بمعزل عن سياقات المرحلة برمتها، فالمجلس الحالي يستشعر عزلة شعبية واسعة، قد لا يكون أعضاؤه سببا فيها (بعضهم ممن عبروا من المجالس السابقة).

ولكن أداء زملائهم ممن سبقوهم إلى تحت القبة في المجالس السابقة، كرس لدى الشارع عبثية الاعتماد على النواب في تغيير أي أمر.

كانت مواقف النواب السابقين تقاد من قبل مراكز قوى مسيطرة، تتحكم بمجمل عمل المجلس التشريعي، وهي مواقف لم تكن تنظر إلى وجدان الشارع وتوجهاته، بل كانت تنطلق من مبدأ الوصاية والفوقية.

اليوم، يدرك النواب أن مجرد طرح أي تصريح ضد اتفاقية وادي عربة، أو وجود السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية، يشكل اقترابا أكثر من نبض الشارع الأردني، والذي لا تتمحور همومه جميعها حول هذه النقطة، ولكنها ظلت بوصلة جليّة لجميع الحراكات الشعبية التي تواصلت على مدار أكثر من عامين.

لا ندين محاولة النواب التقرّب من الحراكات الشعبية، بل على العكس من ذلك تماما، حتى لو كان ذلك التقرب ينطلق من مصلحة خاصة بالنواب تتعلق بـ"تلميع" صورة المجلس وصورهم الخاصة.

هذا حق للجميع، خصوصا حين الحديث عن شخصيات عامة تدهمنا صورها في كل حين.لكن الخطير في الأمر، والذي، بالتأكيد، شكل انتكاسة حقيقية لصورة المجلس الحالي في باكورة عمله، هو الاستجابة إلى الضغوط التي مورست لكي يسحب النواب تواقيعهم عن المذكرة، وهي الضغوط التي، وللأسف الشديد، وجدت صداها لديهم، ليسارعوا إلى الاعتذار عن "تسرعهم".

إن التراجع عن المذكرة أظهر مجلس النواب مهزوزا وغير مالك لقراره، وبالتالي، وضعه صنواً لمجالس سابقة يحملها الأردنيون "موبقات" عديدة، بدءا من طوي ملفات فساد ضخمة وتبرئة فاسدين، ومحاولات الحصول على مكتسبات شخصية لأعضائه، وتعطيل سن تشريعات ضرورية، وليس انتهاء بسن تشريعات ضد وجدان الشارع، وبالتالي يمكن اعتبارها ضد المصلحة الوطنية.

إن مصلحة النواب الشخصية، كانت تتجلى بالمضي في الأمر إلى نهايته، حتى لو "نجت" الحكومة من حجب الثقة عنها، إذ لا يمكن التأسيس لمرحلة جديدة، يطلبها الجميع اليوم، من دون إعادة الهيبة للسلطة التشريعية والرقابية، والتي ينبغي أن ترسل برسالة قوية إلى السلطة التنفيذية تقول بصراحة إنه لا يجوز أن تتجاهل تصويتها بالإجماع على أمر، مهما كان حجمه.

والرسالة الثانية كان على النواب إرسالها إلى دولة العدو الصهيوني، وينبغي أن تقول بجلاء: لا تستهينوا بنا!إن التصريحات الرسمية الإسرائيلية التي تم إطلاقها تعقيبا على تصويت النواب على طرد السفير الصهيوني من عمان، واستدعاء السفير الأردني لدى الصهاينة، هي تصريحات، صبّت بمجملها، في مصلحة الاستهزاء بالنواب الأردنيين، لتقرر أن سلوكهم لا يعدو أن يكون "فشكا بلا رصاص".

أيها النواب: لم يكن مطلوبا منكم أن توقعوا على المذكرة في البداية، أما وقد فعلتم، فقد كان لزاما عليكم أن تسيروا بالعملية إلى نهايتها، وأن يتم التأسيس، فعلا، لمجلس نيابي مستقل عن جميع مراكز القوى.

لكن ذلك لم يحصل، ولا شك أن سحب المذكرة سيأكل ما تبقى من رصيد ضئيل للمجلس.

الغد

أضف تعليقك