محاسبة دار الإفتاء

محاسبة دار الإفتاء
الرابط المختصر

دائرة الإفتاء وحدها من تتحمل مسؤولية "اجتزاء" فتاوى وإخراجها عن مسارها، فلا معنى لإعادة نشرها فتوى بأحقية الزوج أن يمنع زوجته قيادة السيارة، بينما يجيز القانون الأردني سفر المرأة من دون موافقة زوجها، ما اضطرها لنشر توضيحٍ ينفي المنع، واتهام وسائل الإعلام بـ"التقوّل على دائرة الإفتاء بتحريم ما لم يحرمه الله ولا رسوله".

عن أي تقوّل تتحدث "الدائرة"، وفتواها التي أعادت نشرها من تلقاء نفسها، هذه المرة، تنص بالحرف "من حق الزوج أن يمنع زوجته من الخروج من منزله وقيادة السيارة"، ولم تفبرك الصحف والمواقع الإلكترونية "التحريم" الذي تتضمنه الفتوى، وعليه فإن "الإفتاء" هي من "خالفت مواثيق الصدق والأمانة التي يتحملها المسلم في عمله ووظيفته" لا غيرها الذي قام بالنقْل لا أكثر ولا أقل.

يحق لنا جميعاً مراجعة مخرجات دائرة الإفتاء، ومعارضة قانونها المعدل، مؤخراً، بـ"محاسبة كل من يفتي في القضايا العامة مخالفاً للفتاوى الصادرة عن مجلس الإفتاء أو يقوم بالتشكيك بهذه الفتاوى بقصد الإساءة والتجريح، بعقوبة حدها الأعلى السجن لمدة ثلاثة أشهر أو الغرامة بما لا يزيد على ألف وخمسمائة دينار".

بهذه الصيغة تكون "الإفتاء" فوق القانون غير خاضعةٍ للمحاسبة، بل تعتبر مرجعيةً تعاقِب من يشكك بما يصدر عنها، رغم أن فتواها تخالف التشريعات القائمة وتتناقض فيما بينها، وتثير جدلاً لا طائل منه.

المسألة برمتها لا تعبّر عن اختلافٍ عابرٍ، وهناك ثلاثة آراء يتداولها مواطنون كثر؛ الأول يشكك بمراجعة فتاوى نوح القضاة التي يغلب عليها التشدد، في هذه الفترة تحديداً، والثاني يستنكر طرْح أسئلةٍ محددة تأتي أجوبتها لصالح حركات التطرف، حيث تقدّم "سائل" بالاستفسار حول تدريس المنطق فور إحراق داعش كتب الفلسفة والمنطق، ونلفت الانتباه أن الفتوى فصّلت "المنطق" وفق رؤية "الإفتاء" المتطرفة، والثالث يعتقد أن الدائرة تقوم بإلهاء الناس عن قضايا الفساد، التي تتجاهلها الفتوى وأصحابها.

رددنا مراراً وتكراراً أن "الإفتاء" تتبنى التشدد منهجاً في كثيرٍ من فتاويها، ويمكن التأكد من ذلك عبر مراجعة ما ينشره على موقعها، وأنها لا تعترف بمقولة "لا أعلم"؛ إذ تُفتي فيما تعرف وما لا تعرف، وتجد دوماً أموراً كان يتوجب على صاحب العقل الراشد أن لا يخوض في تحريمها أو تحليلها وهو ما لا يحدث مطلقاً.

الفتوى الأخيرة ليست استثناءً، فإلى جوار التوضيح المذكور، تنشر دائرة الإفتاء بحثاً حول ضمان الودائع في المصارف الإسلامية، وهو يعكس موقفها الثابت الذي يحرم العمل في جميع البنوك بما فيها البنك المركزي، والاقتراض منها ما عدا البنك الإسلامي، وكذلك شركات التأمين سوى الإسلامية، فهل هذا موقف "نزيه"، ويخدم من "تحريم" مهنة يعمل بها آلاف الموظفين، وهل يستفيد المجتمع والمصلحة العامة من وجود عقل آخر يدير وينظم شؤون شرائح من المواطنين بما يعارض الدستور؟

أثبتت المؤسسة الدينية الرسمية، في جميع الدول العربية، فشلها الذريع في مواجهة المستجدات، وإزاء إرثها الذي لم يتطور طوال الألف سنة الأخيرة فإن خيارات "متطرفةً" تبدو أكثر جاذبية في نظر كثيرين، خاصة أن متدينين وعلمانيين يجتمعون حول اتهامها بـ"التلفيق"، كل حسب رؤيته، وإلاّ كيف يرفض "الأزهر" تكفير داعش، لأنه يعارض تكفير أي مسلم، فيما كفرّ من دون أن يرفّ لشيوخه جفْن كل من: محمد عبده، وخالد محمد خالد، وعلي عبد الرازق، وطه حسين، ونصر حامد أبو زيد، ونوال السعداوي، وفرج فودة وحلمي سالم وآخرون.

أما الدولة التي تطمح باستمرارها كياناً موّحِداً لمواطنيها فيجب أن تبحث عن سيادة القانون وتفعيل الرقابة ومحاسبة منتهكيه، وأن تكف عن الاعتماد على أدوات قديمة وبالية.

 

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.