مجلس نواب بحلّة جديدة بعد تكسير غالبية الوجوه التقليدية؟
رئيس الوزراء الأسبق فيصل الفايز هو المرشح الأقوى لاعتلاء رئاسة مجلس نيابي ولد من رحم قانون انتخاب مؤقت ساهمت دوائره الفرعية الوهمية في تكسير بواقي ساسة تقليديين لطالما تحكّموا في مجالس سابقة وحمّلوا خلف أبواب موصدة مسؤولية تعطيل رؤيا التحديث الملكي منذ تولّى الملك عبد الله الثاني مقاليد الحكم عام .1999
هذه الشخصية التوافقية ستحتاج لإثبات مهاراتها في ترتيب شؤون المجلس السادس عشر بما في ذلك كسب دعم كتلة رئيسية قيد التشكيل الآن, ينتظر أن تهيأ له قاعدة نفوذ داخل مجلس عشائري الصبغة, خدماتي قليل الدسم السياسي في ضوء مقاطعة التيار الإسلامي الذي غاب عن صناديق الاقتراع لعدّة أسباب منها داخلية تتصل بشرخ عامودي داخل صفوفه.
على الفايز أيضا الإشراف على انتخاب أعضاء المكتب الدائم لمدة عام , وبعدها اجتياز امتحان تسمية رؤساء وأعضاء اللجان الرئيسية - تحديدا المالية, القانونية والسياسية - والتي تعبأ غالبا ضمن لعبة توزيع المكاسب لاسترضاء ما يسمّون ب¯ نواب العيار الثقيل الجدد وعدد محدود من أقطاب المجالس السابقة ممن وصلوا إلى المقاعد زحفا بأجنحة متكّسرة.
ويتوقع احتدام التنافس على موقع النائب الأول للرئيس.
لكن من أهمّ مهمات الفايز, ابن الراحل عاكف الفايز زعيم مشايخ بدو الوسط ورئيس مجلس نواب لعدة دورات, استرضاء ما تبقّى من نواب شكّلوا مفاتيح في مجالس سابقة, ووجوه جديدة تبحث عن فرص لتعزيز نفوذها في عامها الأول عبر استقطاب زملاء جدد يبحثون عن بوصلة توجيه في عالم السياسة, التشريع والرقابة.
إذاً معركة رئاسة مجلس النواب, التي ستعقب خطاب العرش السامي صبيحة 28/11/2010 لن تكون سهلة. وهي بدأت قبل إعلان النتائج, ومن المرجح أن تشتد حين تتكثّف مشاورات مشاريع الرؤساء مع غالبية أعضاء مجلس النواب ال¯ 120 .
الفايز, المقرب من الملك بعد سنوات من العمل إلى جانبه, اكتسب ثقة, مودة وأريحية لدى رأس الدولة. أعلن عن ترشيح نفسه للمنصب الأول فور إعلان أسماء الفائزين في الانتخابات صبيحة الأربعاء. تبعه في ذلك المحامي عبد الكريم الدغمي, وزير عدل أسبق ونائب شرس لعدة دورات.
ترشيح الفايز لم يكن مفاجأة. فالتسريبات الرسمية والمعلومات المتداولة منذ شهور تحدثت عن تلقيه ضوءا أخضر من مرجعية عليا لترك مقعده في الأعيان حتى يضبط إيقاع المجلس النيابي على لحن التحديث المطلوب.
فرص الدغمي بالنجاح تبقى ضئيلة مقارنة مع الفايز لعدّة اعتبارات. لكن لا يبدو أنه سيغادر حلبة النزال بسهولة وقد يصبح رئيسا للجنة القانونية لتهدئة خاطره.
صفقات رئاسة المجلس بدأت خلال موسم الدعاية الانتخابية, تجلّى ذلك حين استجاب عبد الله النسور, نائب رئيس وزراء أسبق, لطلب الفايز بالتراجع عن فكرة خوض معركة رئاسة المجلس فور انتزاعه مقعدا في الدائرة الفرعية 1 (البلقاء). لكنّ النسور يطمح في احتلال منصب النائب الأول لرئيس المجلس في دورته الأولى والترشح لمنصب الرئيس في الدورة الثانية, بدعم من الفايز ومناصريه, حسبما يرشح من تفاهمات.
وفي حال حيكت صفقات أخرى غير متوقعة, ربما يضطر لها الفايز لضمان كرسي الرئاسة, قد يحرم النسور من حصّة رئاسة المجلس لاحقا, وبالتالي سيدفع بثقله لرئاسة اللجنة المالية, الأكثر أهمية بين اللجان. فهي التي تقصقص وتفصّل وتشرّح مشروع الموازنة العامة بهدف التوصل إلى حل وسط تضمن الحكومة تمريرها من خلاله.
فضلا عن الفايز (وسطي), النسور والدغمي, يتشكل أقطاب المجلس الأساسيين من د. ممدوح العبادي (النائب منذ ,1993 ناشط حزبي ونقابي) انقلب ترتيبه من الأول على دائرة عمان الثالثة في انتخابات 2007 إلى الأخير في هذه الانتخابات. وكذلك خليل عطية, مقاول معارض لعملية السلام, نال ثاني أعلى الأصوات على مستوى المملكة في الانتخابات الأخيرة, بعد أن حصد الموقع الأول عام .2007 تضم اللائحة أيضا النائبين المخضرمين محمود الخرابشة ومفلح الرحيمي واجهة حزب التيار الوطني بقيادة العين عبد الهادي المجالي, رئيس النيابي لثماني دورات, ورئيس أكبر كتلة في المجلس المنحل. وهنالك أيضا قادمون جدد بمن فيهم أيمن المجالي, نائب رئيس حكومة أسبق, نجل رئيس الوزراء الأسبق المرحوم هزاع المجالي, ود. محمد الحلايقة, نائب رئيس وزراء سابق, وريم مضر بدران, ابنة رئيس وزراء أٍسبق, السيدة الوحيدة التي فازت بالتنافس الحر خارج الكوتا النسائية, فضلا عن المعارضة السياسية عبله أبو علبة, أمين عام حزب الشعب الديمقراطي (حشد).
الفايز يواجه أيضا تحدي التعامل مع تكتيكات علنية وخفية قد تشّنها شخصيات متنفّذة داخل وخارج المجلس, قد تسعى لإفشاله لأسباب شخصية أو لتسوية حسابات مع بعض مفاصل الدولة التي تدخلت لإقصائهم عن العمل العام أخيرا.
من بين الشخصيات التي تشعر بالاستبعاد عبد الهادي المجالي وعبد الرؤوف الروابدة, رئيس وزراء أسبق ونائب منذ .1989 كان الرجلان من أقطاب المجالس السابقة قبل أن يدخلوا الأعيان أواخر العام الماضي. قيل أن هاتين الشخصيتين تلقتا رسائل ضمنية بالبقاء داخل الأعيان لأن دورهما النيابي انتهى. كذلك سعد هايل السرور, الذي لم يغادر القبّة منذ 1989 قبل أن يفشل في الانتخابات الأخيرة, وعبد الله العكايلة, عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين.
الروابدة كان يراهن على فوز مرشحين من محافظة اربد ليشكّلا أدوات ضغط داخل المجلس الجديد. المجالي راهن على بقاء نفوذه عبر كتلته التي فشلت في إيصال غالبية مرشحيها ال¯ 32 بمن فيهم عبد الله الجازي باستثناء ستة. الرحيمي قد يشكّل رأس حربة ما تبقّى من تيار المجالي داخل المجلس أو ينقلب على المجالي, مفضلا الاستقلال أو الانضمام للكتلة التي ستتحالف مع الفايز.
د. الحلايقة, العين السابق كان نائبا لرئيس الوزراء في حكومة الفايز, ومن داعمي سياسات التحديث الاقتصادي وتعزيز دولة المواطنة. وهو من أقوى المرشحين لرئاسة اللجنة المالية. فمن الصعوبة فوزه بمنصب نائب أول للرئيس, سواء عن طريق التزكية أو الانتخاب, أو زعامته للكتلة الرئيسية التي ستوفر الدعم للفايز. وقد ينضم د. النسور, لأسباب تكتيكية, ود. الحلايقة لتلك الكتلة المؤمل أن تساهم في إعادة هيبة المجلس.
إذاً سيتصارع ثلاثة أقطاب على رئاسة اللجنة المالية: النسور, الحلايقة وعطية, رئيسها السابق. المحامي محمود الخرابشة, نائب منذ ,1993 يسعى من جانبه لرئاسة اللجنة القانونية. لكنه, وبحسب مقربين, يفضّل البقاء خارج إطار أي تكتل نيابي.
على الأغلب ستطفو المجاملة السياسية على علاقة أيمن المجالي بالفايز. لكن المجالي سياسي لا يمكن الاستهانة به. وفي حال شكّل كتلة سيكون له دور مؤثر في مداولات المجلس. كما ينتظر المراقبون القائمة النهائية لنواب الجبهة الموحدة مع أن كامل مرشحي قائمة الحزب المعلنين خسروا مقاعدهم. أمين عام التيار هو أمجد المجالي, شقيق أيمن.
نسائيا, من المتوقع أن تلعب أبو علبة دورا مؤثرا في معارضة سياسات الحكومة, تحديدا المتعلقة بشق عملية السلام والسياسات الاجتماعية-الاقتصادية. ويسمع ممن تعامل معها كحزبية وسياسية خلال العقود الثلاثة الماضية بأنها قد تكون فدائية المجلس, حال توجان فيصل. وقد تتلقى أبو علبة, مؤازرة النائب عطية, الذي يفضّل أن لا يزاود عليه بالأخص في القضايا الوطنية, بعد الشعبية التي كسبها حين حرق علم إسرائيل تحت القبة ليستعمل تلك الصورة في دعايته الانتخابية.
الطموح يلاحق أيضا السيدة بدران, صاحبة خبرة اقتصادية واستثمارية, وهي التي ترعرعت في بيت مضر بدران الخصم السياسي لزيد الرفاعي, والد رئيس الوزراء الحالي. وهي بالتأكيد لم تترشح لتكون نائباً بلا شعارات. بل ستسعى لنسج دور فعال وحيوي داخل المجلس, وقد تنافس د. النسور على رئاسة اللجنة المالية.
في المحصلة, ضبط إيقاع المجلس المتنوع سيشكل تحديا صعبا للفايز. وقد تكون علاقته بالرفاعي المرشح لإعادة تشكيل حكومته, غير سلسة, إلا إذا تدخل الملك شخصيا لترطيب الأجواء, بحسب مقربين من الرجلين.
العلاقة بين المجلس الجديد, وأي حكومة, لن تكون سهلة بخاصة في حال صدور مدونة السلوك المفترض أن توقف عمليات الابتزاز المتبادل الذي وصم علاقة المجالس السابقة بالحكومات من أجل تمرير القرارات غير الشعبية.
الشيء المؤكد أن أي حكومة ستحصد ثقة نيابية فقط لأنها حكومة يعينها الملك. ما دون ذلك من مشاريع قوانين وتوجهات سياسية, اجتماعية, اقتصادية, سيبقى خاضعا للنقاش والشد. سيعيش الأردن حفلات عرض العضلات في سنة مالية صعبة كبيس وسيحتاج الفايز, حال رئيس الوزراء, كل الحظ في العالم وكل بدعة في قاموس أصول الممارسات السياسية, لتمرير الموازنة بدون رصد أموال جديدة أو مناقلة بنود.
وستتواصل الشكوك حيال معيار النزاهة الذي تفاوت من منطقة لأخرى, بحسب مراقبين وما يثيره مرشحون من العيار الثقيل وساسة تقليديون ممن لهم نفوذ في الأجهزة البيروقراطية بعد أن خسروا مقاعدهم أو دخلوا إليه بكسور.
فالنتائج حملت مفاجآت. في الانتخابات السابقة فاز نواب بعدد أصوات خيالي يفوق وزنهم في المجتمع على وقع التدخلات الموجهة ثم عادوا إلى حجمهم الطبيعي اليوم, فيما تحوم شكوك مشروعة حول عدد من الدوائر, أبرزها عمان الأولى, الثانية والثالثة وبعض دوائر البلقاء وإربد والطفيلة. على أي حال, ستحمل الأيام المقبلة تفاصيل أوفى عن مجريات الانتخابات, بعد أن كسب الأردن معركة الرأي العام الخارجي على أنها مثال في الشفافية, النزاهة والحيادية, بحسب إجراءات قانون الانتخاب المؤقت الذي أغفل جوهر الإصلاح.
الثابت حتى الآن هو الإطاحة بغالبية الرموز التقليدية, المتهمين,عن قصد وبدون قصد, بأنهم عطلوا أجندة التحديث, بعد تهميش نفوذ الليبراليين. وقد يقف الأردن الآن أمام إنتاج نخبة برلمانية جديدة قد تكون أكثر تعاطفا مع أجندة الإصلاح في غياب توافق مجتمعي حول شكل الأردن وهويته. فالفايز قاد حكومة كانت الأقرب لليبرالية المطلوبة من القصر قبل أن توضع العصي في دواليبها - إصلاحات سياسية تدريجية مدروسة وانفتاح اقتصادي لأبعد الحدود.
span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span