ما هي الفتنة التي يقصدها الملك ؟!
عاصفة الوطن البديل تهب كل شهرين على عمان، ومع خطة كيري غير المعتمدة رسمياً حتى الآن هبّت هذه العاصفة بكل سمومها وشكوكها على الأردن وتكويناته الاجتماعية التي تتناحر بذريعة مواجهة كيري، فيما تأكل ذاتها.
علينا أن نتفق أولا، على تعريف مفردة «الوطن البديل» وماذا يعني هذا المصطلح حصراً، هل يعني تثبيت الأردنيين من أصول فلسطينية كأردنيين بمعزل عن قصة العودة واللجوء والنزوح؟!.
أم يعني تجنيس الفلسطينيين في الأردن ممن يحملون وثائق أردنية مؤقتة، بلا رقم وطني، أم يعني تجنيس اهل الضفة الغربية، أم يعني أيضا رابطا وحدويا شكليا جديداً بين الضفتين، يؤدي الى اذابة اهل الضفة الغربية وتسريبهم باتجاه الضفة الشرقية؟!.
قد يأتينا من يرد بالقول إن معنى «الوطن البديل» كل ما سبق، غير أن علينا أن نتفق من حيث المبدأ إزاء الذي يقصده معارض إسلامي بمعارضته للوطن البديل، وذاك الذي يقصده معارض يميني، وبينهما الذي يقصده لاجئ في مخيم، أو يكتبه كاتب سياسي في مقاله، فالواضح ان مفردة «الوطن البديل» تحمل أكثر من معنى.
الملك وخلال كلامه أمام شخصيات سياسية، أعاد التأكيد للمرة الألف أن الأردن لن يكون وطنا بديلا للفلسطينيين، وهو بشكل واضح اشار الى تلك المجموعة التي تدير هذه الحملات كل عام، في معرض التمييز لوجودهم، أو بشكل أدق لغايات رفع شعبيتهم في الشارع باعتبارهم وطنيين يعارضون كل حل تصفوي.
بالمناسبة، هذا الكلام ينطبق على مسؤولين شبعوا من صدر الدولة مالا ونفوذا، لكنهم يبحثون اليوم عن شعبية، وطلاء جديد لوجوههم في الشارع، رغم أن الأسرار تكشف احيانا انهم جزء من تدمير بنى الأردن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولولا هذه الاضرارالتي شاركوا بصنعها، لما بات الاردن اصل مهدداً وضعيفا، وفقيراً، وُمعرضاً الى حلول قد يتم فرضها عليه.
فاسد ويريد أن يصبح خطيباً للجمعة، ويريد حشد المصلّين خلفه، «فبأي آلاء ربكما تكذبان» في هذه الحالة التي لا تكتمل شروط وطنيتها؟!.
لا ننكر هنا أن هناك نخبة عاقلة، ُمسيسة، لها موقف ثابت، وتقف ضد تصفية القضية الفلسطينية، لاعتبارات وطنية ودينية، بعيداً عن المتاجرة بالعناوين، أو بهدف أن تسترضيهم الدولة من اجل موقع جديد، أو لغاية التطهر والتقاعد في نهايات العمر.
كلام الملك عن فتنة دقيق جداً، لأننا أظهرنا هشاشة مؤلمة، فبدلا من توحد كل مكونات البلد ضد أي حلول لا يقبلها إلا الخونة من الأردنيين والفلسطينيين، وهذا رأي الأغلبية الكبيرة، بدأنا بمضغ لحم بعضنا البعض، وسقف المواقف وصل حد التهديد بحرب أهلية، فيالها من شطارة و وطنية، اذ تهدد بسفك دماء الناس، وعليك أن تنتظر سفك الدم أيضا من باب الرد؟!.
أين الوطنية بالتهديد بسفك الدماء، من أي طرف كان، وهذا الذي يهدد يقول انه عربي ومسلم، لكنه يريد أخذ الأردن بذريعة مقاومته للصهيونية، الى نموذج صربي، يقتتل فيه الناس، وُتهتك فيه الأعراض؟!.
«الصرب العرب» هنا تراهم من شتى الأصول والمنابت، تجدهم في المدينة والقرية والبادية والمخيم، فأي مرجلة هي إذ نسمع عناوين تهدد بالقتل أو الرد على القتل، والكارثة انهم يهددون بحرق لحم أطفال بعضهم البعض، بذريعة مقاومة إسرائيل!.
ماذا تريد إسرائيل أفضل من هذه الدهماء السياسية، وماذا تنتظر أفضل من هذه المجموعات المسماة زورا وبهتانا بكونها «نخبة»، فيما هي أصل الفساد، والخراب، فيما عامة الناس ابرياء اطهار، وفيهم دين وشرف، يفوق من يتاجرون باسمهم؟!.
لا بد أن نعترف هنا -للإنصاف- بثلاثة أشياء، أولها أن هناك شرفاء في الاردن وفلسطين، يرفضون أي حلول تصفوية، لأنها خدمة لإسرائيل تحت عناوين مختلفة.
ثانيها أن الأغلبية الشعبية في الاردن وفلسطين، «على باب الله» وتريد ستر أعراضها وتدبّر شؤون حياتها، ولا يمكن أن نتهمهم مسبقا بالخيانة، فالقرار ليس بيدهم اساسا، أيا كان منبتهم أو أصلهم، فالعامة في واد، ونخبها السياسية هي الأخطر عليها.
ثالث النقاط ما يقول إن هناك انخفاضاً في منسوب الشفافية الرسمية، ما يولد دوما هذه العواصف التي تديرها نخبة تتاجر بها، أو نخبة وطنية وقومية ودينية، لايمكن الطعن في أهدافها اساسا.
لأول مرة يتحدث الملك عن «فتنة» وهو هنا يحذر من انسياقنا وراء الدم، وبعث الحياة، في صربيا، لا أرانا إيَّاها، لا في صحو ولا منام، والفتنة قد يتسبب بها عشرة اشخاص، فيما سيدفع ثمنها ملايين البشر، لا استثني منهم أحداً.. أبداً.
الدستور