ما بين اليهود والإسرائيليين والصهاينة

ما بين اليهود والإسرائيليين والصهاينة
الرابط المختصر

ساهم انتشار شبكات التواصل الاجتماعية وازدهار الميديا الإلكترونية في الفترة الأخيرة في إحداث تمييز لا يمكن الاستهانة به في مواقف العديد من الفئات التي كنا نستسهل تصنيفها تحت مسمى «اليهود والصهاينة» في السنوات الماضية. اكتشفنا في الشهر الماضي بالذات أن هنالك نسبة لا باس منها من اليهود في العالم متعاطفين مع الفلسطينيين ومن اشد الأصوات انتقادا للعدوان الإسرائيلي، واكتشفنا أن في إسرائيل نسبة ربما لا تزيد عن 10% من الإسرائيليين اليهود مناهضين للحرب، كما اكتشفنا وهذا هو الاهم أن هنالك نسبة عالية من الصهاينة المؤيدين تماما لإسرائيل من كافة الأديان والمعتقدات ومنهم ايضا من الناطقين باللغة العربية!

نتيجة الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني لفلسطين أعتدنا على أن نتعامل مع  اليهود كأصحاب دين لا مع الإسرائيليين كمحتلين لأرض عربية. مشكلتنا مع اليهود بدأت تماما عندما طالبت الصهيونية باحتلال فلسطين وتشريد أهلها وإقامة دولة يهودية مكانها، بمساعدة الأوروبيين تحت شعار عقدة الذنب من المجازر التي ارتكبت بحق اليهود.

في الشهر الماضي وفي ذروة عدوان إسرائيل على غزة، لا يستطيع إلا المتعامين عن الحق ملاحظة ظهور فرق شاسع ما بين اليهود والصهاينة. فقد كان من الطريف جدا أن نشاهد حاخامات يهود في مسيرة لندن وعدد من العواصم الأوروبية والمدن الأميركية وهم يرتدون كوفيات فلسطينية ويحملون الأعلام الفلسطينية، كما تابعنا الكثير من الكتابات والخطابات التي ألقاها سياسيون يهود في أوروبا والولايات المتحدة ضد سياسة نتنياهو. والمتابع للصحف البريطانية بالذات كان يجد أن كثيرا من المراسلين الذين غطوا أحداث العدوان الإسرائيلي كانوا من اليهود وخاصة في صحيفتي الاندبندنت والغارديان الأكثر تعاطفا مع الفلسطينيين، وكانت تغطيتهم ايضا دقيقة جدا ونقلت كل الأحداث المروعة في غزة، وكان وجود مراسلين يهود حماية لهذه الصحف من اتهامها باللاسامية.

وإذا ما تابعنا أيضا كتابات نعوم تشومسكي ونورمان فنكلشتاين ونعومي وولف وغيرهم من المثقفين اليهود التقدميين في العالم نجد بأن هناك وعيا هائلا بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وعداء كبيرا لسياسات الحكومة الإسرائيلية، والواقع أن أحد أشكال الضعف في سياسة التعبئة العربية الشعبية كانت دائما في تجاهلها النسيق مع القوى والأشخاص اليهود المؤيدين للحق الفلسطيني. هؤلاء من أكثر الناس إقناعا للعالم خاصة أنهم يتحدثون من منطلق كونهم يهودا ولا يمكن اتهامهم باللاسامية.

الكثير من اليهود يؤمنون الآن بأن إسرائيل باتت تشكل خطرا على اليهود جميعا إذ أنها تثير كراهية العالم لهم من جديد، وربما يكون البعض منهم يحمل مبادئ أخلاقية تؤمن بضرورة وجود دولة للشعب الفلسطيني، والمنطق السياسي يقتضي عمل نوع من التنسيق معهم. وإذا كان خطاب مقاومة التطبيع العربي يركز على التطبيع مع الإسرائيليين فإنه من غير المنطق أن يمتد لليهود جميعا، لأن فتح المجال للتعاون مع الفئات والتيارات اليهودية المعادية للصهيونية سيكون مفيدا جدا للنضال الفلسطيني عالميا إذ انه سيلغي الفكرة السائدة في العالم أن العرب يريدون التخلص من اليهود نهائيا والتي تقتات عليها إسرائيل للحصول على الدعم العالمي المتواصل لسياساتها.

نحن بحاجة إلى التفريق ما بين اليهود وإسرائيل، ومن المفيد جدا أن تقوم بعض المؤسسات السياسية والثقافية العربية بفتح باب حوار عربي-يهودي حول مقاومة العدوانية الإسرائيلية وإعادة حقوق الشعب الفلسطيني.  ولا شك أن من يبادر إلى مثل هذا الحوار يجب أن يمتلك الجرأة العالية خاصة في ظل المناخ العربي الشعبي الذي لا يفرق ما بين اليهود والصهاينة، علما بأن هناك من بين غير اليهود من هم أكثر تأييدا للصهيونية من اليهود أنفسهم وبعضهم تفتح له أبواب العالم العربي على مصراعيها، وعلينا أن نكون أكثر قدرة على التقييم والتفرقة ما بين أعدائنا الحقيقيين وما بين من نتفق معهم في الرؤى حتى لو كانوا يهودا.

في المقابل يجب عمل حصار سياسي وثقافي واقتصادي على كافة الشخصيات والرموز العالمية التي أعلنت تأييدها لإسرائيل سواء كانت من المسلمين أو المسيحيين أو اليهود أو ابناء أية ديانات أخرى انحازت للشر والعدوان على حساب الضمير الإنساني، وكل هذه التصريحات والمواقف مثبتة وموجودة عبر الإنترنت والمطلوب فقط هو التصرف بالحس الأدنى من الكرامة ومقاطعتهم نهائيا.

الدستور

أضف تعليقك