ما العمل؟

ما العمل؟
الرابط المختصر

تمثّل شهادة المحامي العام في حماة، عدنان بكور، ضربة موجعة لنظام الأسد، بل ربما تعادل في أهميتها المسيرات والمظاهرات المستمرة، بلا توقف، منذ شهور عديدة، برغم المجازر والدماء والمذابح والاعتقالات والتصفيات.

بكور، وهو المرجع الحقوقي الرسمي، أحرج النظام وكشف عن حجم العفن والخراب الداخلي وعن صناعة الأكاذيب الملفقة، عندما تحدث شاهداً على المجازر التي وقعت بسجن حماة المركزي وراح ضحيتها عشرات الشباب، بدم بارد، وعن المقابر الجماعية والاعتقالات وتهديم الأحياء والبيوت وتحلل الجثث تحت الأنقاض.

أخطر ما في شهادة الرجل أنّه اعترف بشجاعة بأنّ الأمن أجبره على توقيع أوراق غير صحيحة حول مقتل هؤلاء المتظاهرين تحت التعذيب، ما يمثل الرد الأبلغ والأهم قانونياً وأخلاقياً وإنسانياً على كذب النظام وعلى سخافة دعايته السياسية السوداء!

المفارقة المؤلمة هي في أولئك الذين ما يزالون يمارسون، بوقاحة، ضغوطاً على الحكومة الأردنية لمنع مسيرات سلمية للاحتجاج على مجازر سورية، فهم ليسوا فقط ضد حق التعبير في دمشق، بل حتى في عمان. فهذا الموقف يكشف -بحق- أنهم ليسوا مخدوعين بحجج النظام هناك، بل متواطئون ومشاركون في الجريمة، والقصة لا تعدو مصالح شخصية على حساب دماء وجماجم الأطفال الأبرياء!

شهادة بكور تضعنا أمام السؤال المفصلي؛ ماذا بعد؟ فهذا هو أحد أهم المراجع القانونية يشهد على الجريمة، بوضوح، ويستقيل ويدين النظام، بلا أي جدوى، فالمجازر والمذابح ما تزال مستمرة وانتهاكات همجية تقع بحق السكان بصورة جماعية بلا أي رادع ولا حاجز.

نحن أمام معضلة حقيقية، فالنظام لن يتراجع وقد سار في طريق اللاعودة، ولا يستطيع الإصلاح في ظل هذه المنظومة الأمنية والعقلية الطائفية، ولن يقبل الشعب الآن إلاّ رحيل النظام الذي أسرف في الإهانة والقتل والتعذيب، وتقديم رموزه للمحكمة الجنائية الدولية.

في المقابل؛ فإنّ الشعب السوري ما يزال مصمّماً على التضحية والثبات، وتتجذّر الثورة مع مرور الوقت، ما يعني أن نجاح الحل الأمني مرهون فقط باحتمال واحد، لا غير، وهو إبادة جماعية معلنة ومباشرة للشعب السوري، بعد أن فشل الجيش في كسر إرادة الشعب.إذا استمرت الحال هكذا، فإن الكلفة الإنسانية ستتضاعف، من قتل وتعذيب واعتقال وتنكيل جماعي، بينما العالم يقف مكتوف اليدين أمام هذا المشهد الدامي.

برغم الانشقاقات في الجيش، وتوقع تفكك المنظومة السياسية والقانونية مع مرور الوقت، إلاّ أنّ إمساك النظام بزمام القوة الأمنية والعسكرية يضعنا أمام رهانات مختلفة عن المصرية والتونسية، وصعوبة تسليح المقاومة السورية يضعنا أمام طريق مختلفة عن الثورة الليبية.

إذن، لا بد من البحث عن طريق أخرى تنهي معاناة الشعب السوري، وهو ما دفع بالمسيرات والمظاهرات الأخيرة في سورية إلى المطالبة بتأمين حماية دولية للمدنيين السوريين من بطش النظام.

من يستدرج التدخل الإنساني الدولي هو النظام الذي أقفل على نفسه الباب وقرّر تصفية الحساب مع شعبه، بالمجازر والمذابح، وإذا كان هنالك من يلام على وصول الجماهير إلى طلب الحماية الدولية بوضوح بعد خمسة أشهر على الثورة السلمية، فهو هذا النظام لا غير، فلم يبق للمواطنين العزل ولا العسكر المنشقين، الذين يتم البحث عنهم وقتلهم على الفور، إلاّ هذا الخيار الإنساني المشروع.

لا يخجل، اليوم، الناشطون والمواطنون السوريون من طلب حماية دولية، فهذا حق لهم في مواجهة المجازر، إنما على هذا النظام أن يخجل، وهو يرفع راية الممانعة، فيما يطلب شعبه الإغاثة الإنسانية من العالم، فأي تناقض هذا؟!