ما الجدوى من تجاهل حقوق نصف المجتمع في مشروع دستور عبد الله الثاني?
تدخلت مرجعيات عليا في الربع الساعة الأخيرة لحذف مفردة "الجنس" من شروط مساواة الأردنيين ضمن الفقرة الأولى في المادة السادسة من تعديلات الدستور حتى لا تتهم المؤسسة الرسمية بتشجيع المقترنات بأجانب على تجنيس أبنائهن وبناتهن بما يسهل سيناريو التوطين السياسي.
شطب الكلمة المحورية التي تمس حقوق المواطنة الكاملة للنساء, جاءت بناء على تنسيب أمني لصاحب القرار. لكنها ضربت عرض الحائط رغبات الملك الشخصية بضرورة إزالة كل أنواع التمييز ضد المرأة, وغيّبت حقوقا أساسية لنصف المجتمع في القرن الواحد والعشرين. لا, بل وأكثر.
إذ شكلت مخرجات التعديل نكوصا عن بنود الميثاق الوطني (1991) وتوصيات الأجندة الوطنية (2005), والتي تعاملت على نحو أكثر وضوحا, تقدما وحداثة مع حقوق المرأة وضرورة تمكينها, تحقيق المساواة وإزالة أشكال التمييز بحقها في التشريعات, وتغيير الممارسات الخاطئة بحقها, وضمان زيادة مشاركتها في مواقع صنع القرار.
ماذا حدث إذا?
اللجنة الملكية تؤكد أنها أضافت كلمة "الجنس" في نهاية المادة التي تنص: "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين...".
أعضاء في اللجنة الملكية (للأسف كلهم ذكور) يقولون إن طلب حذف الكلمة جاء عبر اتصال مباشر مع رئيس اللجنة أحمد اللوزي و"لأسباب سياسية" -- بغية عدم تغيير قانون الجنسية -- قبل ثلاثة أيام من الحفل البهيج الذي أعلنت فيه توصيات اللجنة برعاية وضمانة الملك.
رغم إلحاح لجنة متابعة التعديلات على إنصاف المرأة, حذّرت المرجعيات الأمنية من أن هكذا إضافة ستصب الزيت على نار جدل الهوية الوطنية ومخاوف التوطين في غياب حل عادل للقضية الفلسطينية.
فهناك أكثر من 84 ألف أردنية مقترنة بأجنبي, بحسب آخر الأرقام الرسمية, بينهن أكثر من 50 ألف زوجة لفلسطيني, غالبيتهم يحملون صفة لاجئ ولديهم جوازات سفر مؤقتة. يضاف إلى ذلك 2250 أردنية توفي زوجها الأجنبي. بافتراض متوسط حجم الأسرة خمسة أفراد, يتضخم الرقم إلى نحو نصف مليون يحق لهم التجنس بين ليلة وضحاها, بمن فيهم 250 ألف فلسطيني ما سيفتح الباب أمام اللعب بهوية الدولة والإخلال بالميزان الديمغرافي الذي يعد أهم عامل استقرار, بحسب تبرير الرافضين.
حسنا إذن. فهدف المؤسسات الرسمية خدمة القضية الفلسطينية ومنع استغلال جانب إنساني من بوابة الدستور والقانون بهدف تفريغ الضفة الغربية وقطاع غزة من سكانها الأصليين والمساعدة على تطبيق نظرية الوطن البديل في الأردن.
لكن تبقى هناك عدة تساؤلات مشروعة حيال هذا التفسير والمنطق غير العادل وغير الدستوري.
فلماذا يسمح لغاية اليوم للأردني بمنح الجنسية لزوجته بمن فيهن فلسطينيات يحملن جوازات سفر مؤقتة? ألا يشجع ذلك الفلسطينيات على ترك بلادهن للصهاينة من أجل تحقيق حلمهن بحياة أفضل وجواز سفر يفتح لهن آفاق العمل والاستقرار خارج بلادهن? سؤال آخر: اذا كانت الأسرة مؤلفة من أم فلسطينية وأب أردني, فهل الأم, كفلسطينية الجذور والهوى, لا دور لها في التنشئة الوطنية, وهي الحجة الأخرى التي يسوقها المحافظون والتقليديون? هل سيكون حس أولادها وطنيا أردنيا مائة بالمائة? هل الرجل هو الطرف الوحيد القادر على تنمية روح المواطنة في عياله بغض النظر عن جنسية ألام الأصلية وتنشئتها? لماذا يغفل دور الأم كمربية أجيال سيما وانه من المعروف أن دورها التربوي محوري لحين وصول أبنائها وبناتها سن الثانية عشرة. فخلال هذه الفترة يكتسب الأبناء حس المواطنة والعادات والتقاليد والقيم التي تتجذر فيهم وتؤثر على سلوكياتهم ومفاهيمهم الآن ومستقبلا.
بناء على ذلك, ولضمان المساواة الدستورية نأمل أن تفضي المراجعات لمقترحات التعديل إلى إعادة كلمة "الجنس" أو الجندر المعربة تماشيا مع مرجعيات حقوق الإنسان والمواثيق الدولية الخاصة بالمرأة وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
لذا, ثمة اقتراح بإضافة "الجنس" إلى معايير المساواة وبعدها, تعديل قانون الجنسية لمنح المرأة حال الرجل حق منح الجنسية لزوجها وأولادها. وإن كان هناك من ضوابط ومحاذير على منح أي جنسية لأسباب سياسية, فلتعمم على الجنسين.
فكما يقول المثل" الظلم على الجميع عدالة".
شطب مساواة الجنس في التعديلات ليس الإشكالية الوحيدة ضد حقوق المرأة. فالتعديلات المتصلة بالتعامل مع حقوق المرأة لن تكتمل ديمقراطيتها إلا إذا اعتمدت على مرجعية حقوق الإنسان, لا سيما المساواة بين الرجل والمرأة في تلك الحقوق, باعتبار الدستور هو القانون الأسمى للدولة.
فاللجنة, أصرت على إبقاء كلمة "الأردنيون" بدلا من استبدالها بصفتي "الأردنيون والأردنيات" في العنوان الأساس المتعلق بحقوق المواطنين.
كان من الأفضل لو لم تكتف اللجنة بتفسير لغوي تقليدي بأن كلمة "الأردنيون" تواترا تعني أبناء الجنسين. فعدا عن كونها لغة ذكورية بامتياز, فهي لا تعبر عن وضع المرأة في الألفية الثالثة ولا تضمن حتى أيا من المكتسبات التي انتزعتها المرأة أو منحت لها على مر العقود. كما أنها تعكس نظرة دونية للنساء في مجتمع أبوي.
فلماذا لا تضاف مادة جديدة للدستور: "إن مصطلح الأردني أو المواطن : حيثما يرد في الدستور يعني الذكر والأنثى". كلمة "الجنس" لضمان مادة تنص على أن الأردنيين تعني النساء والرجال. كما أن هذا التفسير لا يقنع مجتمع المانحين الدوليين الذين يصرون دائما على تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.
مقترحات لجنة تعديل الدستور مست حقوق المرأة في موقع ثالث.
فعدم ذكر حقوق المواطنة المتساوية وإضافة فقرة حول مركزية دور الأسرة في المجتمع وأهمية رعاية الأمومة والطفولة - رغم أهميتها وسمو معانيها -- فإنها في هذه الحالة تقلص دور المرأة إلى ركن الأمومة ويلغي جميع أدوارها الأخرى كمواطنة, عاملة ومشاركة في حياة مجتمعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
يا حبذا لو تضاف المساواة في حقوق المواطنة إلى مثل هذه الفقرة, لكانت اللجنة فعلا منحت المرأة حقوقها واحترمت دورها الأساسي الأمومي.
الأمل ما يزال قائما في تصويب الوضع على يد الحكومة التي أرسلت المقترحات إلى ديوان التشريع أو مجلسي الأعيان والنواب, بوجود عدد من المشرعين متعاطفين مع تحقيق المساواة بين الجنسين.
فالإصرار على تغييب المرأة سيسمح لأي قوى سياسية تقليدية أو رجعية قد تشكل أغلبية برلمانية مستقبلا وتتحكم بمن سيقود السلطة التنفيذية بإلغاء بعض المكتسبات القانونية للمرأة إن لم تكن على هواهم و/أو إضافة أي مواد قانونية تقوض حقوق المرأة.
سوابق كهذه حصلت في مجتمعات أكثر انفتاحا منا في مراحل التحول صوب الديمقراطية أو حتى التحولات الاقتصادية في هذه الحقبة. ذلك أن فترات التحولات الحرجة هذه لا تؤدي بالضرورة إلى إنتاج أفكار أو فرز أفراد أكثر ليبرالية. كما أنها تحاول غالبا التأكيد على ادوار المرأة التقليدية كأساس للحفاظ على "الأمة وقيمها".
فرغم جهود بعض الحركات النسائية في أمريكا الجنوبية مطلع الثمانينيات للتخلص من الحكومات العسكرية المستبدة, لم يتسن لهن الحصول على جميع ما تطلعن إليه لأن دور الكنيسة الكاثوليكية في هذه الحركات التحريرية كان له الأثر الأكبر في إنتاج الدول الديمقراطية الحديثة. كذلك أدت تجربة دول أوروبا الشرقية قبل عقدين في التحول إلى ديمقراطيات إلى خفض نسب التمثيل السياسي للمرأة ومشاركتها الاقتصادية.
في الأردن, يصر الإسلاميون على حق المرأة في التجنيس في محاكاة لرغبات قواعدهم - أردنيون من أصول فلسطينية لا يؤمنون بقرار فك الارتباط لعام .1988 لكنهم بالتعاون مع المؤسسة الدينية الرسمية وقفوا ضد إتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
باختصار, أمام الحركة النسائية معركة كبرى في حرب الديمقراطية; النضال من أجل دستور ديمقراطي أولا. فأردن المستقبل لا يمكن أن يكون ديمقراطيا أولا, إلا بدستور ديمقراطي لا يميز بين الجندرين.
العرب اليوم