ماذا يريد مروان المعشّر؟!

ماذا يريد مروان المعشّر؟!
الرابط المختصر

ثمة نقاش طويل يمكن أن يعقب المحاضرة الصريحة التي ألقاها د. مروان المعشّر في دار الأندى، بدعوة من موقع "حبر. كوم" (الشبابي). فالرجل روى عطش الحضور بفيض من الإجابات الصريحة حول رؤيته لمسار الإصلاح من جهة، وعن تجربته الشخصية في الدولة من جهة أخرى.

وإذا كان المعشّر قد سطّر رؤيته للإصلاح في دراسته الصادرة من خلال مؤسسة كارنيغي بعنوان "عقد من جهود الإصلاح المتعثر في الأردن: النظام الريعي العنيد"، إلاّ أنّه في مساء الاثنين كشف جانباً من المعركة التي خاضها، وهو في الدولة، للمطالبة بالإصلاح السياسي، وحجم الإحباط وخيبة الأمل التي خرج بها بعد أن استطاع التيار المناوئ التخويف والتهويل من دلالات ونتائج الإصلاح المطلوب.

شخصياً أتفق مع أغلب رؤية د. المعشّر في الإصلاح السياسي، وأختلف مع تفاصيل معينة تتطلب قدراً أكبر من التفكير والدراسة. إلاّ أنّ المعنى المهم هو أنّنا بحاجة فعلاً إلى شخصيات إصلاحية داخل الدولة تتحدث بلغة واحدة، لا لغتين، وبصورة أكثر وضوحاً وجرأة لتقديم وصفة حقيقية لرؤية النظام للمستقبل.

ربما يختلف البعض مع تصورات د. المعشّر ومواقفه، لكننا نرى أنه يقترب كثيراً من الرؤية الواقعية للإصلاح، وهو يعلن أنه مع الإصلاح الشمولي، المتدرج، لكن بخطى ثابتة واضحة غير مرتبكة، والأهم من هذا وذاك أنّه ضد "النظام الريعي"، الذي ولّد نمط العلاقة المشوهة بين الدولة والمجتمع، وخلق صيغاً من الاعتماد السلبي المتبادل واتجاهات من "الولاء الشكلي"، بدلاً من بناء دولة حديثة تعتمد على نفسها، وتقوم على قيم المواطنة وسيادة القانون.

بالطبع، هذا التصور لم يرق لشخصيات سياسية ولمؤسسات داخل الدولة بنت آليات عملها على هذا النوع من العلاقة الزبونية، فضلاً عن أنّها –تراكمياً- عززت حضورها في الحياة العامة، وباتت تعتقد أنّها الوحيدة المؤهلة والجديرة بحماية النظام وحراسته.

ليبرالية د. المعشّر لا تلقى هوىً لدى خصوم سياسيين كثيرين، وربما الخلط الذي يحدث بين رؤيته الليبرالية الواضحة، وبين المدرسة الاقتصادية التي وصلت إلى "مواقع القرار"، ورسمت البرنامج الاقتصادي، خلال العقد الماضي، هو الذي وضعه معهم في "الحزمة نفسها"، بالإضافة إلى سيوف "الحرس القديم"، المؤمن بالنظام الريعي، الذي وجّه "أصابع اتهام" متعددة للمعشّر.

المعشّر يؤمن ببرنامج الإصلاح الاقتصادي القائم على تعزيز دور السوق وجذب الاستثمار، ولا ينكر ذلك، لكنه يرى أنّ المشكلة في نظرية "الخبز قبل الديمقراطية"، التي حكمت رؤية "مطبخ القرار" خلال السنوات الماضية، وثبت أنّها فاشلة. إذ حدثت تحولات اقتصادية هائلة بينما تحجّرت الحياة السياسية وركدت، ما خلق أزمات كبيرة، وسمح للفساد بالعبور بقوة عبر المؤسسات، لغياب آليات المساءلة والحساب والعقاب للفاسدين.

ما كان مدهشاً، بالنسبة لي، ليس محاضرة د. المعشر، وإن كنا استمتعنا معه بحديث صريح عن رؤيته للإصلاح، إلاّ أنّه برغم صراحتها، فإنّها لم تلامس "السقف" المرتفع جداً، الذي تحدّث به جمهور الشباب، وقد كانوا عدداً كبيراً، وأغلبهم من أبناء الطبقات الثرية أو المتوسطة، ومن ذوي الميول الليبرالية (كما تشي المداخلات).

هؤلاء الشباب صوت مهم وجريء ويكشف أنّ خيار جيل الشباب بات محسوماً، فهل تقف القوى المعادية للإصلاح، التي تحدث عنها المعشّر، متماسكة أمام التحولات المجتمعية الهائلة التي نلحظها، أم أنّ هنالك مساحة لإعادة النظر في الوصفة التقليدية قبل نفاد الوقت، فهو، كما قال د. المعشّر، ذو حدّين!

الغد