على مدى الشهور الاربعة الماضية ونحن نتحدث عن الاصلاح: المسؤولون اكدوا ان هذا العام هو «عام الاصلاح»، اللجان اشتغلت بوضع استراتيجيات وتشريعات لتطمين الناس على الاصلاح، الشارع خرج للمطالبة بالاصلاح، النخب والاحزاب تجاوزت خلافاتها واجتمعت حول «مائدة» الاصلاح.. الكل –اذن- بما فيهم «خصوم الاصلاح» اصبحوا مسكونين «بهمِّ» الاصلاح.. ولسان حالهم يقول: يحيا الاصلاح.
الآن، باستثناء « مخرجات» لجنة الحوار الوطني التي «تآلفت» على مشروعي قانون الانتخاب والاحزاب، لم نر شيئا من الاصلاح، في آخر الاخبار ان لجنة النظر في التعديلات الدستورية قد انتهت من قراءة مواده، واتفقت على «اعتماد» الالزامية لمرحلة التعليم الاساسي لا التعليم الابتدائي فقط، وفي الاخبار –ايضا- ان «مكافحة الفساد» مشغولة بقراءة مئات –وربما آلاف- الصفحات في قضايا لم نعرف بعد عناوينها ولا تفاصيلها ولا اسماء المتورطين فيها، اما قضية شاهين التي تحولت الى «عنوان شعبي « فلم يتسع الوقت امام الحكومة لوضع الرأي العام امام حقائقها كما وعدت قبل اكثر من اسبوع.. وربما لن يتسع في الشهور القادمة!
اذن، اربعة شهور من الحوارات والسجالات والتصريحات والوعود فيما القرارات نادرة، وفيما «ماكنة» الاصلاح تبدو وكأنها معطلة، وفيما شكوك الناس تتصاعد ازاء نوايا «الحكومة» في تحقيق الاصلاح الحقيقي الذي كلفت اصلا بانجازه.
والسؤال: هل نحتاج اليوم الى مزيد من الحوارات؟ ام الى مزيد من القرارات؟هل نضجت فكرة الاصلاح في اذهان المسؤولين لكي تنزل الى الواقع وتلامس عقول الناس وقلوبهم ايضا؟ هل وصلت رسالة «الشارع» الى الحكومة وهل استطاعت ان «تفك» شيفرتها وان تفهمها كما يجب؟ هل استفدنا فعلا من «تجارب» الربيع العربي ام ان ثمة من يراهن على ان الوقت كفيل بشطب هذه المواسم المرعبة من ذاكرة الناس؟
حقا، لا ادري، ولكنني اشعر بأننا لم نزرع بعد في «تربة» الاصلاح ما يجب ان نزرعه من «فسائل» واشجار كما اننا –وهذا الاهم- لم نقلع من هذه التربة ما شوّهها من احساك واشواك، وبالتالي فاننا تركنا المجال امام الشارع المتحمس للاصلاح كي يزرع ما يشاء ويقلع من يشاء ويجتهد في مطالبه ويحدد سقوفها وستلهم «نماذج» تحقيقها كما يشاء ايضا.
في وقت مضى، كان لدينا فسحة من الوقت لنتجاوز ونتداول ونشهر التصريحات والوعود، حتى وان كنا في دواخلنا لا نؤمن بها، ولا نعتقد بأنها ستتحول الى افعال، اما الآن فلا يجوز ان نفكر بتكرار هذه «البروفات» او ان نجربها في حقول خرجت منها ما لم نكن نتوقعه من مطالبات واحتجاجات وبالتالي فليس امامنا سوى اصدار ما يتوقعه الناس من مقررات واجراءات وممارسة كل ما يلزم لاقناع من ينتظر «مطر» الاصلاح بان الغيث فعلا قد نزل.. لا بطرق «الاستمطار» واوهامها وانما ببركة «القرار» وجديته وارادة متخذيه وايمانهم بان الناس يستحقون ذلك وبان «استسقائهم» له قد طال.. وبان التأخير في موعده سيصيب الارض بالجدب.. والناس باليأس والخوف ونفاد الصبر.
اعرف ان البعض سيقول بان القرارات تحتاج الى حوارات لكن الم ننفق فيما مضى آلاف الايام والساعات في حوارات مستمرة حول ما نريده من الاصلاح؟ ألم ننشغل –كلنا- في وضع اجندات وتصورات واقتراحات حول كل ما نتحاور حوله اليوم من تشريعات ومكافحة فساد.. الخ؟ الم يحن الوقت للخروج من دائرة الحوار الذي لا ينقطع الى دائرة «القرار» الذي يحسم المخاوف والشكوك؟ الم نعط ما لم يلزم من فرص لجهينة لكي تقطع قول كل خطيب؟
الدستور