ليست قصة وزير
الخميس، وخلال اقل من ساعة،وخلال مروري من صويلح الى ماحص،وصولا الى دابوق، لمحت مشاجرتين بين طلبة مدارس،من اعمار لا تتجاوز الثانية عشرة، والكل يلطم الكل على وجهه، وهؤلاء هم ذخيرة الجامعات لاحقا، الذين ينقلون فايروس العنف اليها.
التطاول على الاخرين بالنظرة، والاستهزاء لغوياً، والاستهانة بالآخر،عناوين سائدة، تقود الى مشاجرة لاحقاً، وطالب المدرسة قبل الجامعة، بلا مسؤولية اخلاقية، وخلفه يقبع والده حاملا مسدسه العثماني، نخوة له، وأمه التي تزغرد للحرب!.
لعله لا يعرف ان هذه الثقافة قد تسود هنا، غير ان نجله في سوق الكفاءات لاحقاً وخارج الاردن،لا يساوي قرشاً، فمن الذي سيحتمل هذه الذات المنتفخة المتورمة، ومن سيقبل توظيفها بهذه المواصفات الشخصية والتحصيلية؟!.
متعة اغلب العائلات، ان تكون اول كلمة يتلفظها الطفل، عند تعلمه الكلام،شتيمة، من باب التحبب، ويضحكون عليها، ويتندرون على حروفها،من (ينعن ابوت) بدلا من (يلعن ابوك) وصولا الى (ياتلب) بدلا من (ياكلب) وفي حالات ُيعلمونه كيف يبصق بطفولة على الاخر، في سياق التندر على افعاله البريئة،ولا تجد هذه الثقافة في البيوت المحترمة،ولا اغلب المدارس الخاصة؟!.
ثم تكون الوجبة الثانية اذ يخاطبون الطفل ممازحة بالطلب منه ضرب طفل آخر، قائلين له انه رجل وعليه ان يضرب ويصفع، وهدايا العيد مسدسات وسيوف ورصاص بلاستيكي.
ثم تأتيك مشاهد العنف في البيت، الاب يضرب الزوجة، والاخ ُيهدد الجار،وابن العم يتوعد المستأجر، وهكذا تتم تغذية الانسان، فوق مافي صباحاتنا، من اغاني اذاعات fm من تهديد ووعيد بالقتل وقطع الاذان والانوف، لمجرد ان فلاناً قد ينظر الى واحد فينا.
مناسبة الكلام هذا العنف المستشري في الجامعات، والعنف لم يأت في يوم وليلة، بل تم تأسيسه بشكل عميق في النفسية الاجتماعية، ولم لا، فهيبة الدولة غائبة، والواسطة حاضرة، والنفوذ الاجتماعي لايكون الا بالتعصب،والتحزب؟!.
ما لا يتنبه اليه كثيرون ان سمعة التعليم في الاردن، كأحدى مزايا البلد امام العرب تم تدميرها، فلدينا اكثر من خمسة وثلاثين الف طالب عربي، حالياً،والعربي يسأل لماذا ارسل ابني الى جامعة يتم فيها اطلاق النيران، والقتل والذبح، ولربما بات السؤال ذات سؤال الاردني ايضا؟!.
الطلبة السعوديون لدينا وعددهم ستة الاف طالب يشكون الى بلدهم من العنف،وسرقة سياراتهم، واساءة لسان اعضاء في هيئات التدريس لبلدهم، ومعهم طلبة قطر، الذين اصيبوا بذعر شديد قبل ايام جراء اطلاق النار في احدى مؤسسات التعليم لدينا، وقبلهم ومعهم طلبة آخرون من دول عربية مختلفة،واسألوا طلبة الكويت، عما واجههوه في مراحل مختلفة.
الذي لم يكن يجرؤ ولا يقبل كسر لوح زجاج في جامعة، يحمل السلاح ويقتحم الجامعة اليوم، وكأنها من ارث الوالد الشخصي، ومنذ ان غابت خدمة العلم،غابت قيم الاحترام والانضباط والمسؤولية في حياتنا، وبات كل واحد فينا، دولة متحركة بحد ذاته.
ثم ان التعليم في الجامعات، سهل، خصوصاً، في الانسانيات، ولو وجد الطالب ضغطاً اكاديمياً عليه، من حيث متطلبات التخرج، وجديتها،لما وجد وقتاً للمشاجرات، لانه مشغول بتحصيله، والمشكلة تتعلق ايضاً بمستوى اساتذة الجامعات.
اليوم، لا احد يحمل كتاباً، والكل ُيصوّر المحاضرات من يد غيره، والوقت مفتوح لكل طالب، لمزيد من الهوايات السلبية والتافهة، الى درجة تقاسم مواقف السيارات في الجامعات، على اساس مساحات، كل مساحة لمدينة او عائلة.
هل سمعتم عن طالب طب او هندسة او صيدلة يدخل في مشاجرة، بالطبع لا.لان مثله، يعرف قيمة الوقت والتعليم والتحصيل، فيما غيره يشعر بالسلبية والفراغ تحت وطأة اليقين ان لا مستقبل لهم ايضا؟!.
تمويل التعليم، باعتبار ان الطالب هو الذي يدفع وعلى الجامعة ان تحتمل كل افعاله - بفلوسي- خطير، ولايتم كسرها، الا بأمرين!.
اولهما رد خدمة العلم ولو لثلاثة شهور، مع برنامج خدمة مدني في الجامعات والمدارس، لثلاثة شهور ايضاً، ثم مراجعة طريقة التعليم والمضمون، لا بقصد تصعيب التخرج، بل لجعل وقت الطالب مشغولا بحق، بدلا من هذا السلق في التعليم.
أخطر النتائج ما نراه من تحطيم سمعة التعليم في البلد، من حيث مستوى الخريج الأمي في حالات كثيرة، وصولا الى إخافة العرب من القدوم الى الاردن، لانه قد يموت برصاصة او عصا، وقد تتم سرقة سيارته، وفي احسن الحالات، قد يتم شتم نظامه من جانب القوميين في هيئاتنا التدريسية، وهم ذاتهم يتوسلون من اجل عقد عمل في الدول التي يتم شتمها.
لكل ما سبق نريد من وزير التعليم العالي اعادة مراجعة ملف التعليم بشراكة مسؤولين آخرين، وندعوه الى وضع حل، يتجاوز فكرة العقوبة، فقط، لان العقوبة على اهميتها، لم تمنع آخرين من القيام بذات الافعال في جامعات اخرى.
القصة اعمق من قصة وزير حالي او سابق، هي قصة البنية الاجتماعية من المهد الى اللحد، ولم ُيدمّر علاقاتنا ومستوانا الا الجملة التي نسمعها في كل مكان وهي اساس البلاء......»انت مش عارف مع مين بتحكي» وهي الشيفرة السرية للعنف في كل مكان!.
الدستور