لماذا يُحرم العمّال من حقوقهم؟

لماذا يُحرم العمّال من حقوقهم؟

 

تشير المعطيات إلى تراجعٍ ملموسٍ في مستوى الحماية، التي يتمتع بها العاملون بأجر في غالبية دول العالم، خاصةً في المنطقة العربية، بحسب التقرير الأخير الذي أصدره الاتحاد الدولي لنقابات العمال منذ أيام، ولفت خلاله إلى أن ظروف العاملين في المنطقة العربية هي الأسوأ مقارنة مع مختلف مناطق العالم، إذ تغيب الضمانات الأساسية للعمل، ويمارس فيها انتهاكات ممنهجة ومتكررة ضد الحقوق الأساسية.

 

رسم التقرير صورة سوداوية، حيث تحرم 52% من دول العالم العمال من الوصول إلى حكم القانون، و70% منها تحرمهم من ممارسة الحق في الاضراب، وأن 58% منها تستثني العمال من قوانين العمل، و60% من دول العالم تحرمهم امن حق المفاوضة الجماعية.

 

غياب أو ضعف الديمقراطية، وازدياد نفوذ الشركات المتعددة الجنسية في عملية صنع السياسات الاقتصادية على المستوى العالمي أو على مستوى الدول وتطبيقها، أنتج هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها العمّال، إلى جانب الاندماج العميق بين السلطات السياسية وقطاعات الأعمال الكبيرة أو ما يمكن تسميته "رأسمالية المحاسيب"، حيث يصعب الفصل بين رجال السياسة ورجال الأعمال، في وقت تضعف فيه قدرة الاقتصادات الوطنية في غالبية دول العالم على توليد فرص عمل كافية ولائقة في القطاعات الاقتصادية المنظمة، فتوسعت القطاعات غير المنظمة  (Informal Sector) التي تتسم شروط العمل فيها بالهشاشة والضعف.

 

تتداخل هذه العوامل الأربعة بشكل كبير، وترتبط فيما بينها بعلاقات سببية، وهي ليست الوحيدة التي دفعت إلى تراجع مستوى تمتع غالبية العاملين بأجر في العالم  بحقوقهم الأساسية المنصوص عليها في معايير العمل الدولية، المضمونة في الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، واتفاقيات منظمة العمل الدولية.  

 

إن ضعف الممارسات الديمقراطية، في الكثير من دول العالم، يؤدي بالضرورة إلى وضع قيود على قدرة العاملين بأجر بمختلف فئاتهم وأنواعهم، وعلى تنظيم أنفسهم في منظمات نقابية تستطيع بناء حالة من التوازن الاجتماعي والسياسي مقابل الأطراف الأخرى في علاقات العمل، سواء كانوا أصحاب عمل أم حكومات أو مشرعين، ويحرمهم كذلك من حق التجمع السلمي، الذي يتخذ أشكالا عدة. وكما هو معروف، فإن التنظيم النقابي والاحتجاجات بأنواعه المختلفة هو الأداة الوحيدة التي يمكن للعاملين استخدامها لتحسين شروط عملهم على مستوى التشريعات والسياسات والممارسات.

 

ومع تنامي نفوذها، تمكنت الشركات المتعددة الجنسية من التأثير على نوعية السياسات الاقتصادية لمختلف دول العالم، بما يخدم مصالحها، من خلال دورها ونفوذها في المنظمات الاقتصادية والمالية الدولية، مثل البنك الدولي لإعادة الإنشاء والتنمية، وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وشبيهاتها من المنظمات الإقليمية. ويشمل ذلك التدخل في فرض وتنفيذ سياسات اقتصادية محددة، واعتماد نماذج تنموية معينة، وخلق بيئة أعمال ملائمة، وتطبيق سياسات عمل مرنة، التي يقصد بها، حرمان العاملين من تنظيم أنفسهم في نقابات، أو الحد من تأثير النقابات إن وجدت، وتضييق مساحة تحركها، بحيث تتمكن هذه الشركات من العمل بحرية متجاهلةً مصالح العاملين، وإصدار وتطبيق تشريعات وسياسات عمالية ضعيفة من منظور حقوق الإنسان والمعايير الأساسية للعمل.

 

تنتشر "رأسمالية المحاسيب" في الدول النامية أو التي تغيب عنها الممارسات الديمقراطية الحقيقية، حيث تكثر الامتيازات والاحتكارات، وتعظيم منافع الطبقات السياسية الحاكمة المرتبطة، أشد الارتباط، بطبقة رجال الأعمال وكبار المستثمرين، وفي كثير من الأحيان تكون الطبقة السياسية الحاكمة هي ذاتها طبقة كبار رجال الأعمال والمستثمرين أو مرتبطة بشراكات بالباطن فيما بينها، وينجم عن ذلك تطوير وتنفيذ سياسات تخدم مصالح هاتين الطبقتين، وتحد من أدوار المكونات الاجتماعية الأخرى مثل العاملين بأجر، وصغار رجال الأعمال والمستثمرين وغيرهم، وهذا ينعكس بالضرورة سلباً على تطوير تشريعات وسياسات عمل عادلة، ويؤدي إلى إضعاف شروط العمل والحماية للعاملين.

 

وبفرض السياسات الاقتصادية، في إطار المنظومة المركبة في الاقتصاد العالمي ومحركاته الأساسية، ضعفت قدرات الاقتصادات الوطنية على توليد فرص عمل كافية لاستيعاب مخرجات النظم التعليمية المختلفة، وهو ما دفع مئات ملايين الباحثين الجدد عن الوظائف، أو المسرحين من وظائفهم إلى العمل في أية مجالات متاحة، فتوسعت قطاعات التشغيل غير المنظمة  (Informal Sector)، والغالبية من العاملين في هذه القطاعات محرومين من أبسط حقوقهم العمالية والإنسانية.

 

 

  • أحمد محمد عوض: باحث ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية.
أضف تعليقك