لماذا يسقط قادة كبار؟

لماذا يسقط قادة كبار؟
الرابط المختصر

 

نال أعلى منصب في وكالة الاستخبارات المركزية، وكان مرشحاً ليصبح نائب الرئيس، وربما الرئيس، لكن في أواخر أبريل/ نيسان الماضي، سقط ديفيد بترايوس سقوطاً مخزياً بسبب علاقته مع الكاتبة برودويل. حطّم مسيرته المهنية، وخرج بسمعة ملوثة، وخرجت هي بشهرة وكتاب من تأليفها عن سيرة حياته!

 

وآخر كان رئيساً لصندوق النقد الدولي، أحد أبرز المؤسسات المالية في العالم، غير أن دومينيك ستراوس قدّم استقالته عام 2011 بعد اتهامه بمحاولة اغتصاب عاملة في فندق، لتتكشّف بعدها قضايا متعددة ويُحاكم بتهمة استقطاب بائعات هوى للعمل في أحد فنادق مدينة ليل الفرنسية. ومن كان يُعتبر حينها من أكثر شخصيات العالم نفوذاً وقوةً سقط من القمة إلى القاع.

 

وفي عام 2007، وبعد ضغوط متزايدة، قام بول وولفويتز، رئيس البنك الدولي، وصاحب شعار محاربة الفساد بتقديم استقالته، بعد اعترافه بأنه كان يقدم راتباً لموظفة سابقة بالبنك، بسبب ارتباطه بعلاقة عاطفية معها. أقرّ بالفضيحة واعتذر، لكن هذا لم يشفع له، ليصبح بعدها أضحوكة ويتشفّى به كثيرون.

 

هذه بعضٌ من قصص خصّت قادة بارزين، وحدثت في الفترة الأخيرة، وما اختياري لها من الغرب إلا بسبب ما يتوفر هناك من شفافية في كشف الأمور وتوثيق دقيق للأحداث بغض النظر عن الأشخاص. ومثال هذه الأحداث يتكرر في كل أنحاء المعمورة، ومنها منطقتنا بالطبع!

 

لماذا يسقط قادة كبار مثال هؤلاء، ولماذا يحطم قائدُ مؤسسة عريقة كل ما بناه من نجاح طوال حياته في تصرفات طائشة؟ والسؤال الأهم هنا، وكثيرون في شرقنا العربي معنيون هذه الأيام بتنمية مهاراتهم القيادية لتولّي زمام مشاريع ضخمة أو قيادة مؤسسات وطنية أو دولية، تُرى ماذا يمكننا أن نتعلم من هؤلاء القادة كي نحفظ مسارنا من التعثر؟ وماذا لدينا من دروس مبكرة نشاركها في برامجنا العديدة حالياً لتشجيع القيادة الشبابية وتنشئة روّاد أعمال وناشطي مجتمع بمناعة عالية؟

 

تُشير الأبحاث المتخصصة والخبرات العملية أن هناك ثلاثة تحديات تواجه القادة الناجحين، سواء أكانوا في الحقل المؤسسي أو الاجتماعي أو السياسي أو الديني، وهذه التحديات كفيلة بتحطيم مساراتهم المهنية والشخصية، إن لم يطوروا وبشكل مبكر الوسائل المناسبة لمواجهتها.

 

يتميز القادة الناجحون عادة بمقدار عال من الثقة بالنفس والقدرة على المخاطرة والتأثير بالآخرين، ويظهرون جرأة في التعامل مع الأحداث، ونوعاً من الثبات أمام الظروف المتقلبة، والقدرة على تحويل الفشل إلى نجاح.  كما قد يرافق القائد الناجح عادة أشخاصٌ يعززون من نظرته المعجبة بنفسه.

 

الصفات التي تدعم القادة في التميز عن الآخرين والنجاح في مناصبهم هي ذاتها التي قد تدفعهم للدخول في مغامرات غير حكيمة. إنّ انجازاتهم السابقة تعميهم أحياناً، ويصبح نجاحهم عدواً لهم. وإذ قد نجحوا في السابق رغم انتقاد وتحذيرات الآخرين، يتملكهم شعور بالثقة الزائفة بأنهم سيكررون دوماً هذا النجاح.

 

وفي خضم النجاح وما يرافقه من غياب للفحص الذاتي، كثيراً ما يعاني القادة الناجحون من شعور فائق بالتوتر والعزلة وخصوصاً في المسؤوليات ذات الضغوطات الشديدة أو التغيرات السريعة. ووسط المشاغل والاجتماعات والمهام، يتسرب الى داخل القائد شيئاً فشيئاً فراغ عميق وافتقاد للعلاقات الإنسانية العميقة وتساؤلات عما يمكن أن تكون عليه الخطوات التالية. إن أحاديثه مع الناس بالصوت العالي أو تواجده المستمر ضمن ضجيج لا يهداً أو ابتسامته التي تدرب عليها كثيراً ما تخفي وراءها أحاسيس الوحدة المؤلمة أو شرخاً في علاقاته مع أقرب الناس إليه.

 

وأمام هذه التحديات، قد يقوم القائد بتسديد هذه الاحتياجات الداخلية أو إطفاء التوتر الذي ينتابه من خلال مغامرات مالية فاسدة تزيد من شعوره بالعظمة، أو علاقات عاطفية جذابة تلامس إنسانيته لكنها لا تعطي استقراراً، أو منافسات تجارية غير شريفة تحطم المنافسين وترفع من مكتسباته. وهذه الخطوات كلها قصيرة الأثر وشديدة التدمير بالنسبة للقائد.

 

أمّا القادة الناجحون فقد تعلموا، وبالطرق الصعبة، أن يتمسكوا بخيارات أخرى. لقد أدركوا أنه من المهم أن يحيطوا أنفسهم دوماً بأشخاص يوجّهونهم ويسائلونهم ويقولون لهم الحقيقة، حتى تلك التي لا يحبون سماعها. كذلك من الضروري أن ينظم الإنسان الناجح حياته بطريقة توفّر له إشباعاً عاطفياً وتلامساً وجدانياً مع أناس مقربين وتعطي توازناً لجوانبه الإنسانية كافةً، فلا يضع أحد أحباءه على الرفّ مطمئناً إلى تواجدهم له متى فرغ من مشاغله!

 

وخلال مسيرته، قد يبني القائد سيرته الذاتية ويزيد من دخله ويتوسع في علاقاته، لكن من المهم أن يصاحب هذا كله تعزيزٌ في قيمه الأخلاقية وسعيٌ للحصول على أجوبة لأسئلة هامة مثل: ماذا يعني أن أكون ناجحاً، وما هي الأمور والأشخاص الأهم لي في الحياة، وهل أنا مستعد لدفع الثمن اللازم، مهما كان، للمحافظة عليهم؟

 

.. هذه دروس لا تسقط، من كبار قد سقطوا!

 

باسل صليبا: مستشار وخبير متقدم في مجال التقييم والتطوير وبناء القدرات للقيادات والمشاريع والمؤسسات.

[email protected]

 

أضف تعليقك