لماذا يستنكفون؟!

لماذا يستنكفون؟!
الرابط المختصر

لا تقف الحصيلة المفجعة لدور الأحزاب في الانتخابات الحالية عند القوائم السريّة، وضحالة البرامج الانتخابية (في الغالب)، بل تمتد إلى ظاهرة أكثر خطورة ودلالة تتمثّل في عزوف أغلب القيادات الحزبية عن المشاركة في الانتخابات، سواء باسم الحزب أو حتى بصفة شخصية.

ليس فقط رؤساء الأحزاب أو أمناؤها العامون، بل حتى أغلب الشخصيات القيادية- السياسية المعروفة في هذه الأحزاب، تستنكف أيضاً عن المشاركة، ويمكن أن نذكر (الآن) العديد من الأسماء التي شاركت في تأسيس الأحزاب وقيادتها، لم نجدها في القوائم.

عدد المرشحين المعدودين، رسمياً، ضمن الأحزاب في الانتخابات الحالية يقارب 73 مرشّحاَ (بالإضافة إلى آخرين ضمن القوائم السريّة غير المعلنة!)، منهم فقط 4 يمكن أن يُحسبوا على المواقع القيادية العليا، عبلة أبو علبة من حزب حشد، ومن الأحزاب الوسطية الصغيرة: أحمد الشناق، ومحمد الشوملي وحمد أبو زيد، أما الأحزاب الكبيرة الباقية فليس هنالك حضور لقياداتها.

المفارقة المزدوجة في المشهد الانتخابي الحالي، أنه في الوقت الذي تستنكف القيادات الحزبية عن المشاركة في الانتخابات، فإنّ هنالك، شخصيات سياسية مخضرمة، ليست حزبية، تخوض الانتخابات بصفة فردية، ما يجعل حضورها وتأثيرها محدوداً للغاية، لا يعكس أكثر من رؤية شخصية، وفي أفضل الأحوال إلقاء خطابات نارية تقابل بتصفيق في الشارع، لكن من دون مردود سياسي عملي حقيقي في التأثير على مخرجات البرلمان وسياسات الحكم.

لا يتكرّس زعيم سياسي حزبي إلا عبر انتخابات سياسية، ومهما علا شأنه التنظيمي، فسوف تكون هناك علامة استفهام كبيرة على شرعية زعامته، طالما أنّ قدرته على التأثير في الشارع لم تُختبر بعد. فالأصل أن تكون الانتخابات فرصة ثمينة لقادة الأحزاب للنزول إلى الشارع والجماهير، ومجالا خصبا للأحزاب للتعريف بقياداتها وتحضيرها لأدوار سياسية حقيقية.

صندوق الاقتراع هو الممر الوحيد الذي يؤكّد جدارة الزعيم وأهليته بقيادة الحزب، وإثبات دخوله (أو بقائه) في اللعبة السياسية من أبوابها الواسعة المشرعة، ولاحقاً طرح اسمه لقيادة الحكومة، ضمن الخيارات التي تحظى بخطاب سياسي واضح وشرعية شعبية.

أمّا أن تخوض الأحزاب الانتخابات بقوائم سرية، وبعيداً عن قياداتها العليا وعن مفاتيحها السياسية، التي تمنح الحزب لونه في المشهد الداخلي، فإنّنا أمام ظاهرة أردنية بامتياز!

بالطبع، يتحمّل قانون الانتخاب الحالي الوزر الأكبر في الحيلولة دون إيجاد موطئ قدم للأحزاب في البرلمان، لكن هذا لا يفسّر عزوف القيادات الحزبية عن اقتحام ميدان الانتخابات، سوى أنّها -بالفعل- عاجزة عن مواجهة الشارع، وهو ما يقتلع فكرة العمل الحزبي من جذورها.

ستبقى الأحزاب السياسية هشّة محدودة ما لم تجد قيادات جريئة مبادرة تخوض غمار الانتخابات بقوة، وتشق الطريق لأحزابها عبر الأوساط الشعبية. ما لم نرَ ذلك، فإنّ الحديث عن الأحزاب سيبقى وهما كبيرا، ولن تعود الأحزاب إلى أدوارها الحقيقية في صناعة النخب القيادية وتقديمها للدولة والمجتمع، بينما ستبقى الطبقة السياسية الحالية مصابة بفقر مزمن لقيادات لها وزنها الحقيقي في الشارع.

فقدان الشرعية الحقيقية لا يصيب الطبقة السياسية الرسمية وحدها، بل حتى الأحزاب السياسية، فالكل لديه مشكلة مع الشارع، بالطبع إذا استثنينا الإخوان المقاطعين!

span style=color: #ff0000;الغد/span