لماذا رفض "الإخوان"؟

لماذا رفض "الإخوان"؟
الرابط المختصر

رغم "الانفراج" الذي حصل في العلاقة مؤخراً بين المؤسسة الرسمية وجماعة الإخوان، والإشارات المتتالية على فتح "صفحة جديدة" في مسار العلاقة، إلاّ أنّ رفض الإخوان المسلمين المشاركة في حكومة د. معروف البخيت كان قراراً متوقّعاً، على الأقل خلال المرحلة الحالية الرمادية.

البخيت أعلن منذ اليوم الأول "عدم ممانعته" استقطاب الإسلاميين في حكومته، وحرصه على تطعيم الحكومة بألوان سياسية متنوعة. إلاّ أنّ الاجتماعات الإخوانية المكثفّة خرجت بـ"الاعتذار عن عدم المشاركة في الحكومة" من حيث المبدأ. وللأمانة، لم تتم مناقشة أي تفاصيل أخرى، مثل عدد الوزارات وطبيعتها بين الطرفين.

وحاولت الحكومة استقطاب عدد من "الخبرات الإخوانية" من بوابة النقابات، إلاّ أنّ "القرار المركزي" لدى الحركة كان بإغلاق الباب تماماً على أي مشاركة في الحكومة.

ثمة عوامل متعددة تفسّر الموقف الإخواني، لكنه على العموم مفهوم منطقياً، بخاصة بعد أن سارعت جبهة العمل الإسلامي إلى انتقاد البخيت بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، والتشكيك بقدرته على حمل مشروع الإصلاح المطلوب، إذ لا يعقل أن تنقلب الجماعة (بعد ذلك) إلى الموقف المقابل، تماماً، وتقوم بالمشاركة في الحكومة، كون ذلك سيفتح المجال لأسئلة داخلية- تنظيمية عديدة، وإلى اتهامات من القوى والأطياف المعارضة الأخرى.

الجماعة وإن كانت تعلن أن مشروعها السياسي المركزي اليوم هو المشاركة وصولاً إلى الشراكة ضمن لعبة التعددية وتداول السلطة، فإنّّ السياسة الرسمية إلى الآن ما تزال في إطار الوعود التي لم تترجم على أرض الواقع من خلال تشريعات وسياسات، خلال السنوات الماضية، ما تسبّب في أزمات متتالية ضربت العلاقة بين الدولة والمجتمع، حتى باعتراف المسؤولين في "مطبخ القرار".

الآن، الحديث عن الإصلاح السياسي بهذا الزخم (بقوة دفع الظروف الإقليمية والداخلية) ليس كافياً بنظر الشارع، حتى تتضح الصورة أكثر، ويتأكد الجميع أنّ المرحلة المقبلة مختلفة، عند ذلك تصبح مشاركة الإخوان مبررة ومقنعة للشارع ولقواعدهم الداخلية، بخاصة أنّهم قاطعوا الانتخابات الأخيرة على قاعدة الاعتراض على ما وصلت إليه اللعبة السياسية، ولم تحدث إلى الآن معطيات واقعية مناقضة تدفع إلى مواقف مغايرة تماماً لتلك الوجهة.

صحيح أنّ القيادة الإخوانية حصلت قبل أسابيع قليلة على "تفويض" من مجلس الشورى بفتح قنوات حوار استراتيجي مع المؤسسات المعنية النافذة في الدولة، وقد أسفر ذلك عن لقاءات مع رئيس الحكومة السابقة وأركان من الدولة، إلاّ أنّ الحوار مرتبط بالتوافق على مسار الإصلاح السياسي الداخلي.

معطيات المرحلة الحالية لن تكون في صالح المشاركة الإخوانية، ولا تصلح للمقارنة مع تجربتهم في حكومة مضر بدران، بخمس حقائب وزارية مهمة، ذلك أنّ وجودهم في البرلمان (حينها) كان يزيد على الثلث، مع حكومة قريبة من خطهم الفكري وبشروط معروفة تاريخياً.

أما اليوم، فالإخوان ليسوا ممثلين في البرلمان، وقد قاطعوا الانتخابات الأخيرة، ولدينا أصوات برلمانية نافذة ومرتفعة معادية للجماعة، ومن المتوقع أن أي مشاركة لها في حكومة البخيت، حتى وإن كانت محدودة، ستضعها تحت قصف هذه الأصوات ولقمة سائغة في فمها، ما يجعل من المشاركة عبئاً على الجماعة والحكومة على السواء، وسبباً آخر للتوتر مع المجلس.

قرار الامتناع عن المشاركة كان صحيحاً، وفيه حصافة سياسية تبعد الجماعة عن رهانات غير مضمونة، وكلفة سياسية شعبية عالية في المرحلة الحالية، مع بقاء "الفرصة قائمة" مستقبلاً إذا تحرك قطار الإصلاح السياسي.

الغد

أضف تعليقك