لماذا خسرنا 3000 باحث أردني؟

لماذا خسرنا 3000 باحث أردني؟
الرابط المختصر

 

تجاهلت جميع الأطراف المعنية تصريحات تنبّه إلى خسارة الجامعات الأردنية 3000 باحثٍ وأكاديمي خلال السنوات الخمس الماضية، وفق ما أعلنه المؤتمر العربي الأول لتطوير البحث العلمي الذي انعقد، في عمّان، نهاية الشهر الماضي.

 

يُطلق كثيرون مبررات واهية تتعلق بضعف المقدرات المالية في الأردن والدول العربية، في تعمية واضحة عن أسباب أعمق وراء أزمة البحث العلمي، ولن تستطيع أنظمة تسلطية تجاوزها إذا أصرّت على إدارة جامعاتها مثلما تقبض على مجتمعاتنا؛ تنفيع الأفراد لضمان ولاءاتهم وإخضاعهم لتنافس "متوهم" على هذه التنفيعات والرشاوى الحكومية، وعدم تمكينهم وفق كفاءاتهم أو تمثليهم لقواعدهم الاجتماعية.

 

فقدت الجامعات الأردنية والعربية وظيفتها الأساسية المتصلة بنشر المعرفة وتحديث المجتمع، إذ تأسست في وقت تعيش فيه البلاد أحكاماً عرفية وملاحقة للأحزاب والمتحزبين، لذلك كان طبيعياً أن تتحول الجامعة إلى مكان بديل لممارسة العمل السياسي، وحين تعاظم النشاط الطلابي باعتصامات وإضرابات دخل الأمن إلى جامعتنا، ولم يخرج منها إلى الآن.

 

لقد كانت خسارتنا مضاعفة حتى مع بدء "الانفراج الديمقراطي" عام 1989، فلم يجد الشباب بيئة صحية تكفل مشاركتهم السياسية، ودرسوا في جامعات منزوعة الاستقلالية، بعد أن غدت منبتاً لهويات فرعية وإقليمية ضيقة لا يجمعها سوى خوفها من السلطة وطمعها بها.

 

وأعقب ذلك توجهات بإنشاء جامعات في المحافظات بذريعة تنمية المجتمع المحلي، لكن ما حصل هو تقاسم التعيينات والبعثات الدراسية بين المحسوبين على هذا المسؤول الحكومي، أو ضابط الأمن، أو رجل الأعمال في محافظاتهم، وعوضاً عن بناء دولة مدنية تعتمد العدالة، خاصة في التعليم، فقد تمددت العشائرية والمناطقية إلى الجامعة، وتجذرت فيها متحالفة مع القوى الأمنية.

 

وما أن اكتمل اختطاف التعليم الجامعي، حتّى جرى افتتاح الجامعات الخاصة والبرامج الموازية والمسائية في نظيراتها الحكومية، لنصل إلى نتائج كارثية، وبأسرع وقت ممكن، حيث تشكّل لدينا طبقات أفرزها نظام تعليمي "غير وطني"؛ طبقة من الطلبة الذين يلتحقون بالجامعة بقوائم استثناءات لا حصر لها، وثانية تحصل على مقاعدها بما فاض لديها من مال، وثالثة تؤمنها على حساب قوت أبنائها الذين يخضعون، وحدهم، لتنافس تحدده معدلاتهم في "التوجيهي" وربما رابعة لا تتمكن من الدراسة وتكبت حرمانها الذي قد ينفجر يوماً ما.

 

تتفاقم الأزمة عند النظر إلى الدراسات العليا، التي تتحكم بها المحسوبية أو اقتدار طالب الماجستير والدكتوراه مادياً، وعليها نكون أمام طلبة، وفق طبقاتهم، ليس لديهم انتماء حقيقي إلى أبنية لا مؤسسات علمية تخرجوا منها، وهم سيتطلعون بالتأكيد إلى أي فرصة عمل تكقل لهم تقديراً مالياً ومعنوياً، وحتماً سيعثرون عليها في الخليج والدول الغربية.

 

ماذا يعني وجود ثلاثين جامعة في الأردن تتسابق معظمها على الربح، وتكدّس أساتذة وإداريين هم عبء عليها، بالنظر إلى افتقار معظهم للعلم والمعرفة الحديثة، وحصولٍ نسبة كبيرة منهم على وظائفهم بصورة غير عادلة؟ وكيف يمكننا النهوض حتى لو تجسدت تلك المعجزة، التي ينادي بها البعض، من خلال تأسيس صناديق للبحث العلمي ينفق عليها القطاع الخاص أو بالتوجه نحو زيادة التمويل الأجنبي للجامعات، إذا كانت الجهة التي تدير التعليم تسعى –في أحسن الأحوال- إلى خلق مجرد تقنيين يتحركون في بيئة معزولة عن واقعهم.

 

وعليه لم يكن مستغرباً تصريح مدير عام صندوق دعم البحث العلمي، الأسبوع الفائت، أن الجامعات الرسمية لم تستفد من 9 ملايين دينار خصصها الصندوق خلال عامي 2010-2011، بسبب الإحجام عن إجراء البحوث العلمية، وأكد أن المسألة لا تتعلق بالتمويل بل بعوامل عديدة منها "فقدان الثقة، بين المراكز البحثية والجامعات، وغياب ثقافة البحث العلمي، وضعف البيئة البحثية، وقلة التشاركية من حيث المرجعيات، والعزوف عن إجراء البحوث الجيدة بسبب الخوف من الفشل".

 

إن الغاية الحقيقية من تشييد جامعات تولي أهمية للبحث العلمي هي في ربطها بالمجتمع عبر تفهم احتياجاته، والشغل الدائم على تطوير نوعية التعليم، وصولاً إلى تحقيق ازدهار اقتصادي قوامه تنمية تؤمن بتحرر العقول وكرامتها، ولا تجبرها على الاغتراب بحثاً عن أوطان جديدة.

 

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.