لماذا خسرنا العراقيين في الاردن؟!
كنا نشعر بأسف بالغ اذ نسمع تعبيرات لاذعة في وجه العراقيين في الاردن بعد عام الفين وثلاثة،ولم تبق مشكلة اقتصادية او اجتماعية في الاردن من غلاء الشقق الى اكتساح المطاعم وصولا الى ازمات الشوارع،الا وتم رميها على ظهور العراقيين.
الكلام مؤسف لاننا احيانا نريد ان نأخذ ولانريد ان نعطي،هذا على الرغم من ان الاردن عاش بترف بالغ جراء المليارات التي صبها العراق وشعبه على الاردن على مدى اربعين عاماً،نفطاً وتجارة وتعليماً.
اوضاعنا تأثرت نحو الاسوأ بعد توقف السند العراقي في العهد الجديد،لاعتبارات كثيرة اقلها اختلاف تحالفات بغداد الجديدة.
برغم كل هذه المليارات العراقية التي انعشت خزينة الدولة وحياة الناس والقطاع الخاص،الا اننا لم نحتمل العراقيين لعام او عامين،وكنا ننتقدهم في كل مكان،والعراق الذي منح الاردن نفطاً رخيصاً وهو محاصر بعد عام التسعين،تناسى كثيرون فضله.
بات بعضنا يشكو ويتذمر من العراقيين في الاردن،وهذا امر غريب حقا،نشاركهم في ثرواتهم،واذ يحتاجوننا لانرحمهم،لا في اقامة ولا في بيع شقة،برغم ان «صاحب الاولى» كما يقال يبقى «صاحب الاولى».
الاردن استقبل موجتين من العراقيين،الاولى بعد حرب التسعينات،واغلب هؤلاء فقراء وعاشوا لفترة محدودة ثم عادوا للعراق،او هاجروا للخارج،ثم موجة الفين وثلاثة واغلبها من الطبقة الميسورة والغنية والوسطى.
غادرنا اغلب هؤلاء ايضاً،لان البيئة لم تساعدهم على البقاء،برغم شرائهم لشقق وبيوت واقامتهم لاستثمارات،الا ان البيئة بقيت طاردة عموماً،خصوصا،حين نفهم الوطنية باعتبارها عزلة عن الاخرين،وتحوصلا في شرنقة،وتطاولا وابتزازا لبعضهم باعتبارهم غرباء!.
الحكومة اقرت مؤخرا تسهيلات جديدة للعراقيين بشأن اقامتهم،وهي تسهيلات جيدة لكنها تأتي متأخرة بعد ان تحولت البيئة الى طاردة للمال العربي،ويكفينا هذه الايام ان كل السوريين الاثرياء ذهبوا الى دبي ولم يأتوا الى عمان،لان البيئة طاردة ايضاً.
ذات الحالة التي واجهها اللبنانيون في السبعينات حين جاء الاثرياء الى هنا هرباً من الحرب الاهلية،فغادروا لاحقا نحو قبرص.
مجلس الوزراء، بناء على توصية لجنة التنمية الاقتصادية،وافق مؤخراً على إجراءات لتسهيل عملية منح الإقامة للمستثمرين العراقيين مقابل ربط وديعة مالية على ان يستثنى من ذلك كل من يوفر عشر فرص عمل لأردنيين مشتركين في الضمان الاجتماعي.
المع الدول تلك التي استقطبت الكفاءات والمال العربي والاجنبي،ولنا في نماذج امريكا وكندا والامارات العربية المتحدة ادلة على قدرة هذه الدول في مراحل مختلفة على استقطاب احسن مالدى الشعوب الاخرى دون روح سلبية تعتقد ان كل قادم يريد سرقة البلد.
هذه مبالغات،في بلد فقير وشحيح الموارد هنا،اذا اجرينا مقارنات،بين من يستفيد اكثر القادم العربي المقيم،ام المواطن من هذه المعادلة،ولااحد يقول لك مالذي سوف يسرقه هؤلاء اصلا في بلد فقير،واقامته هنا اساسها البحث عن مأمن وليس للسرقة!.
لاتعرف لماذا يتم اتخاذ القرارات دوما بعد ان تمر الموجة بسمكها ولؤلؤها وحيتانها،وقرار التسهيلات للعراقيين جيد،وكان الاولى ان يتم اتخاذه منذ زمن بعيد،وان يتم اتخاذ اجراءات ايجابية تجاه السوريين ايضا،ومن ناحية واقعية فأن سياساتنا تنجح دوما في حمل كلف واثقال ملفات الجوار،لكنها تحت وطأة المبالغات تطرد ايضاً،المكاسب والمنافع المالية والاقتصادية المحتملة؟!.
مثلما نعيش نحن في دول عربية مختلفة،ونعتبر ان من حقنا ان نعيش كراماً في عالمنا العربي ونحصل على فرص عمل،فمن حق العراقي والسوري وغيرهما،اغنياء او فقراء ان يعيشوا ايضاً هنا،لان هذه هي الحياة،وهذه طبيعة الدنيا،دون ان يرتبط ذلك بفكرة المال فقط والمصالح،في امة يفترض انها واحدة ُموّحدة،ودينها يفرض علينا ان نحمل بعضنا في كربنا وتعبنا.
السياسات العقيمة جعلت الاردن يحمل فقط الكلف السلبية لملفات الجوار،ولم تنجح في تثبيت المال العربي هنا،بالمقابل،وكأننا ولسوء حظنا،ندفع الفواتير فقط،في ظل سياسات متقلبة،وغير واضحة،افلتت اثرياء جوارها العربي،وحملت فقراءه فقط،وارتد سوء النوايا علينا بهذه الطريقة.
خسرنا رابطنا القومي مع كثرة من العراقيين،قبل ان نخسر اموالهم،والرابط الوجداني فوق المال،بألف ميل مما تعدون!.
الدستور