فوجئت بعض القيادات في جماعة “الإخوان المسلمين” بتعيين د. جميل الدهيسات رئيساً للهيئة المؤقتة لإدارة جمعية المركز الإسلامي الخيرية، يمكن –بالطبع- فهم “المفاجأة” فالقرار لم يمر في “العبدلي” حيث مقر الجماعة، و د. الدهيسات عاد منذ نحو عام من عمله في الإمارات، ولم يستشر الحركة بمسألة التعيين، كما ان حضوره داخل الجماعة بعد عودته كان محدوداً، وهو محسوب على تيار “الوسط “ لكنه لم يشارك بحراكات الشارع، وعلاقته مع القيادة الحالية تبدو فاترة.
اختيار د. الدهيسات فهم انه “هدية” للإخوان، وربما يكون ذلك صحيحا نسبيا ، فإعادة “الجمعية” التي تشكل العصب الاقتصادي للجماعة بعد ست سنوات على قرار ادارتها حكومياً، يعد –بكل الحسابات- مكسباً للحركة، وإنصافاً لدورها التي قامت به على مدى نحو خمسين عاماً في رعاية الفقراء والايتام، ولكن عدم احتفاء الجماعة بالقرار كما يجب يعود لسببين، احداهما : انه كان مفاجئاً ولم يعط لهم فرصة للتوافق على “مرشح” يختارونه بأنفسهم، والآخر يتعلق بتوقيته ، حيث تخشى بعض القيادات من اعتباره جزءاً من صفقة سياسية تجرح مصداقيتهم في الشارع او تضطرهم –ولو اخلاقياً- الى ردّ التحية بأحسن منها.
اذا ما دققنا في اختيار د. الدهيسات لهذا الموقع سنكتشف أنه يشير الى نوع من ردّ الاعتبار “لتيار” الوسط داخل الجماعة بعد ان تعرض خلال السنوات الماضية للعديد من الخيبات، فهل يتمكن الرئيس الجديد من تغيير”خارطة”الجمعية بهذا الاتجاه؟
ربما يتمكن في المدى البعيد ، لكن ثمة حقائق لابد من التذكير بها، أولها : ان الهيئة العامة للجمعية لم تعد “بيد الإخوان” فقد سجّل فيها نحو الف شخص من خارجهم، وثانيها ان معظم القيادات التي تدير الجمعية الآن محسوبة على الطرف الآخر داخل الجماعة، وبالتالي فإنهم سيواجهون اي محاولة “للتغير” بقوّة، وثالثها ان شخصية الرئيس الجديد “هادئة” وعقلانيّة. ومن غير المتوقع ان يفاجئنا بقررات سريعة او “انقلابية”.
صحيح ان “الجمعية” التي يقدر دخلها السنوية بمليار دينار، وتتجاوز موجوداتها الـ 5 مليارات، وتنفق على اكثر من 5 آلاف يتيم وآلاف الاسر الفقيرة، قد شكلت فيما مضى “امبراطورية” اقتصادية بالنسبة للجماعة، وكانت قوّة دافعة لتمكين الإخوان اجتماعياً، ومنحهم ما يلزم من رصيد شعبي، لكن الصحيح ايضاً ان “الجمعية” تعرضت لضربات قاسية نتيجة لأخطاء سابقة ولاحقة، كما ان عودتها بهذه “الطريقة” لن تخدم “الجماعة” بالصورة التي كانت تخدمها فيما مضى، وهو الأمر الذي يؤكده اختيار الرئيس الجديد المعروف بخطه وتفكيره وخياراته السياسية ايضاً.
اذن، اعتقد ان اعادة جمعية المركز الاسلامي الخيرية للجماعة وفق السيناريو الذي جرت عليه لن تغير من معادلة العلاقة السياسيّة بين الدولة والاخوان، كما انها لن تدفع الجماعة الى “الهدوء” او الخروج من الشارع، ربما تكون قدمت “خدمة” او -إن شئت- رسالة تطمين لطرف داخل الجماعة، ولكن الاستقبال الفاتر الذي قوبلت به لدى قيادات الصف الاول يعني -بالتأكيد- ان الهدية التي تنتظرها الحركة اكبر بكثير من “الجمعية”...فهذه ستكون تحصيلا حاصلا اذا ما تمكن الإخوان من المشاركة الفعلية بالسلطة...وصناعة القرار، أليس كذلك؟
الدستور