لكم أن تتخيلوا
سألني أحد المسؤولين: لو كنت في موقع اتخاذ القرار هل ستقومين برفع الأسعار والتخلص من الدعم الذي تذهب غالبيته للأغنياء؟
الإجابة كانت لا إرادية، وقلت: من وجهة نظر اقتصادية ومالية نعم، أما منظور سياسي واجتماعي فإن من الصعوبة الإقدام على هذه الخطوة.
التعليق من المسؤول كان مباشرا وأكد أن التفكير بهذا الشكل براغماتي، ودلالة ضعف وخضوع للمطالب المجتمعية وهذا غير مقبول من وجهة نظر اقتصادية، ويدلل بقوة على البحث عن الشعبية المجانية وإن على حساب الوطن.
فقلت له إن الموازنة بين الأبعاد المالية والسياسية لأي قرار اقتصادي ضرورة، خصوصا أن المواطن الأردني وصل حد الإشباع من القرارات الصعبة، وقناعته راسخة بأن سياسات الحكومات أضرت به وجعلته في عداد الفقراء بعد أن كان غالبية الأردنيين في مستوى متوسط.
الجدل طال بيني وبين المسؤول، وحاولت مرارا وتكرارا أن أقنعه باستحالة الفصل بين الاقتصاد والسياسة لكن دون جدوى، رغم أن موقعه وان كان اقتصاديا، إلا أنه موقع سياسي بالدرجة الأولى.وللأسف، فإن العديد من المسؤولين يسقطون من حساباتهم الأضرار المجتمعية والأمنية من تطبيق سياسات التصحيح التي تشكل تشوها في المشهد الاقتصادي، لكن تأثير تطبيقها في زمن صار الناس ينزلون فيه إلى الشارع يوميا للمطالبة بتحسين مداخيلهم لا يبدو منطقيا.
فالمتابع اليوم للحالة المحلية يلحظ أن كثيرا من أصحاب الحقوق، لا يترددون لحظة في الاحتجاج والاعتصام أملا في قضاء حوائجهم، فكيف يظن متخذ القرار الصعب أن ردة فعلهم ستكون عادية في حال زادت الحكومة عليهم تكاليف حياتهم المتهالكة أصلا؟.
وتزداد نتائج التحليل صعوبة، إذا ما عرف أن الحكومة تخطط لتخصيص 50 مليون دينار فقط توزعها على من يستحقون الدعم، وكأنها بذلك تسعى لإبقائهم عند خط الفقر، ولا تكترث لكثيرين سينزلقون إلى ما دون هذا الخط بعد القرارات الصعبة، وتحديدا الشريحة التي لا تنطبق عليها شروط الحصول على الدعم والتي لن يتم تعويضها من قبل الحكومة نقدا عن تبعات القرارات عليهم.
ودراسة تأثير هذه القرارات على بعض المؤشرات الاقتصادية الاجتماعية غاية في الأهمية، لضمان عدم تفاقم بعضها، وخصوصا الفقر والبطالة، كون هذا النوع من التوجهات طالما أسهم بتزايد حجم هاتين المشكلتين؛ إذ لا مفر من تحديد ماهية العلاقة المباشرة بين الخطط الرسمية وبين الأمن الاقتصادي للفرد، وانعكاس ذلك على الأمن المجتمعي والأمن الوطني الشامل في نهاية المطاف.
البلد في غنى عن قرارات مستفزة لشارع محتقن أصلا، والحكمة تقتضي مراعاة المزاج الشعبي السيئ، والذي بات يصم آذانه عن كل التنظير الحكومي حول خطورة الوضع المالي والاقتصادي، ولم تعد كل تصريحات المسؤولين تقنعهم بإمكانية تحمل قليل من العبء المالي عن الخزينة.
ما قبل رفع أسعار المشتقات النفطية وتقديم الدعم المالي لمستحقيه كان قرار زيادة تعرفة الكهرباء وحده أكثر من كاف لاستنفار القطاعات الاقتصادية والأسر، وكان الرفض المجتمعي هو سيد الموقف حيال التفكير الحكومي، وما تزال إفرازات رفعة الكهرباء تتفاعل، فكيف الحال لو اتخذ قرار زيادة أسعار المحروقات مطلع نيسان (أبريل) المقبل؟
لكم أن تتخيلوا
span style=color: #ff0000;الغد/span