لقنوا سماسرة الأصوات درسا

لقنوا سماسرة الأصوات درسا
الرابط المختصر

رغم الملاحظات الكثيرة والمتعددة حول استشراء ظاهرة شراء الأصوات والذمم، إلا أننا لم نسمع بتحرك حكومي واحد للحدّ من ممارسات البعض ممن يسخرّون المالَ السياسيَّ بأقوى تجلياته.

فظاهرة المال السياسي التي نمتْ خلال السنوات الماضية بشكل كبير ومُقلق، ما تزال ماثلة إلى اليوم في المشهد الانتخابي، بعد أن صحت من سباتها، وعاود بعض من يجدون فيها سبيلا للحصول على النفوذ نشاطهم بقوة ومن دون وَجَل أو خجل.

والحديث عن تفشي الظاهرة سرا أو علنا حقيقة، رغم أن التعاطي الرسمي حِيالها غائب، باستثناء التصريحات التي تصدر من بعض المسؤولين، بعيدا عن اتخاذ أي إجراء عملي، بانتظار تلقي شكاوى من متضررين تجاه من يرتكب مثل هذا الجرم.

والمماطلة الرسمية في معالجة المشكلة لها مبرراتها من وجهة نظر الحكومة، التي ترى أن على المتضرر اللجوء للقانون، على اعتبار أن الحكومة غير متضررة مما يجري، فيما ترى وجهة نظر أخرى أن محاربتها ستثبط معدلات المشاركة في الانتخابات التي تعاني من تدني مستواها لأكثر من سبب.

وبانتظار تسلم الشكوى، تسري الأقاويل بين الناس وفي شرائح مختلفة من المجتمع عن مسلكيات بائعي الأصوات التي ارتضاها ضعاف النفوس ممن ترشحوا ليصبحوا نوابا، أو ناخبين باعوا ضمائرهم بثمن زهيد.

ومهما حاولت الحكومة التأكيد على نزاهة الانتخابات وشفافيتها، من خلال السماح بمراقبة عملية التصويت والفرز لضمان عدم وقوع تجاوزات، إلا أن السكوت على سماسرة الأصوات يضعف موقف الحكومة ويمثل أحد أشكال التلاعب غير المباشر، ويبشر بقدوم مجلس نواب هزيل.

وما يجري اليوم أمام نظر الحكومة يعطي انطباعا أن النواب المقبلين، وتحديدا من سيأتون إلى المجلس بأموالهم، لن يهتموا إلا لأمر واحد هو استرداد ما دفعوا وما أنفقوا، ولن يعبأوا بهموم الناس ومصالح المجتمع.

فمثل هؤلاء لا يدركون الدور الحقيقي للنائب، وتحديدا في هذه المرحلة الخطيرة التي تحمل في ثناياها سيناريوهات مختلفة تتعلق بمستقبل البلد.

ولا أظن أن العجز الحكومي أمام سريان مثل هذه الظاهرة مبرر، إذ لا بد من توعية الناس بقيمة الصوت باعتباره أمانة لا يجوز التفريط فيها، وعلى كل من يتجاوز هذا الخط أن يتوقع عقوبات تصل حد المسّ بالأمن الوطني.

فتجربة المال السياسي واستخدامه ونتائجه في الانتخابات الماضية ما تزال ماثلة إلى اليوم، ووقعت رغم وجود قانون جرم استخدام المالي السياسي، والقانونيون وحدهم يعلمون أن ثمة تشريعات كثيرة عقوباتها قاسية إلا أن تطبيقها وترسيخها لم يكن يوما أمرا واقعا.

ووجود القانون وحده لا يكفي لوقف مثل هذه الممارسات التي قللت من هيبة مجلس النواب ووضعت حول أعضائه العديد من علامات الاستفهام وقلصت من ثقة الناس بأداء المجالس النيابية.

وللحؤول دون تكاثر المسألة التي أصبحت مصدرا لكسب المال واتساعها، فإن المطلوب مزيد من الرقابة والمتابعة لما يجري من تحت الطاولة أو فوقها، فالأمر لا يتطلب فطنة لاكتشافه، بل يستدعي جدية في المراقبة والمتابعة.

والحسم ضرورة في مثل هذه الحالة، ويكفي أن تقدم الحكومة نموذجا واحدا بعقاب سمسار واحد ليكون عبرة لكل من يشتري ويبيع صوتا، وتلقن درسا قاسيا لكل من تسوّل له نفسه بالمتاجرة بمجلس الشعب وممثليه.

السكوت عن الحالة بحجة زيادة نسب المشاركة يمثل جريمة أخرى ترتكب بحق الديمقراطية والحياة النيابية التي ما أن تتقدم خطوة إلى الأمام حتى يحدث ما يرجعها إلى الوراء خطوات. فكيف سيكون الحال وصوت المواطن يباع ويشترى؟.

الغد

أضف تعليقك