لعبة المال السياسي "دفع شندي بندي"

لعبة المال السياسي "دفع شندي بندي"
الرابط المختصر

رغم وعيد الحكومة بلجم عصا المال السياسي, تتناسل صفقات الابتزاز المتبادل بين ناخبين محتملين ومرشحين على أمل ضمان حد أدنى من الأصوات قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم 9 تشرين الثاني, في مجتمع يطحنه العوز وفقدان الأمل في التغيير الإيجابي.

فالمساومات "والمفاصلة" تتدحرج على وقع شراء الذمم وتعزيز الحضور السياسي لمرشحين وجهات تراهن على ورقة المال.

ولا يبدو هناك اكتراث بفتوى دائرة الإفتاء التي حرمّت الرشوة وشراء الأصوات بالعزف على أوتار القيم المجتمعية, المبادئ والأخلاق. الفتوى أكدت عدم جواز طلب المال أو تلقي هدايا ثمنا للصوت, لأن من شأن ذلك إدخال من ليس أهلا لذلك إلى مجلس النواب. وتساءلت في المقابل كيف يؤتمن على مصالح وطنه ومقدراته من يدفع المال للناس مقابل انتخابه وحشد الأصوات له دون غيره?

على الحكومة الآن والأجهزة الأمنية ضرب المثل على شكل فزّاعة عبر ترجمة الأفعال إلى أقوال. وقد يساعد توقيف مرشحين ممن يسمون ب¯ "حيتان المال" ومعاقبتهم - بموجب القانون المؤقت الذي غلّظ عقوبات الجرائم الانتخابية - ليكونوا عبرة لغيرهم.

هكذا تحرك ميداني بات ضرورة وطنية حتى لا يتحول شعار "دفع الأموال مقابل حصد الأصوات" عنوانا للانتخابات القادمة, مع تنامي خيار المقاطعة لدى التيار الإسلامي, ومشاعر الاستنكاف بين شرائح مجتمعية واسعة فقدت الأمل بدور السلطة التشريعية, وبخطاب التحديث والإصلاح المرفوع منذ سنوات.

وعلى الإعلام أيضا مسؤولية كشف هذه الممارسات غير الأخلاقية, كما فعلت صحيفة واحدة على الأقل في الانتخابات الماضية مع أن أيا من المسؤولين لم يتدخل لوقف الخلل وقتها.

محاسن عملية شراء الأصوات, لمست لأول مرة في انتخابات ,2007 حين ساهمت في فوز خليط من وجوه مجربة وشخصيات جديدة لم تكن تحلم بحصد عدد غير مسبوق من الأصوات, أوصلتها إلى مجلس منزوع الدسم السياسي وفاقد للشرعية الشعبية قبل أن يحل أواخر العام الماضي.

في لعبة الانتخابات الأخيرة تعاضد مرشحون وناخبون لحماية مصالحهم الشخصية على حساب الوطن بينما كان "المطبخ الرسمي بلاعبيه كافة" يرسم استراتيجية للتأثير في سير العملية الانتخابية قبل بدئها وخلال التصويت, وفي البال كسر شوكة التيار الإسلامي الموالي لحماس والإتيان بوجوه جديدة تؤيد أجندة التحديث الإشكالية, بحسب ما تسرب من تبريرات لاحقا.

في الموسم الحالي, تفوح رائحة المال السياسي بشكل مقزز. يتم ذلك من خلال استغلال ثنائية الفقر والبطالة, التحديات الاقتصادية, تناسل فجوة الثقة, تراجع هيبة الدولة, بروز الهويات الفرعية, التشكيك بدور البرلمان التشريعي والرقابي وبمجمل العملية السياسية بما فيها آلية تعيين الحكومات, تدوير المناصب العليا, وعدم محاسبة الفاسدين والمفسدين. الرشوة انتقلت أيضا الى التجمعات المتجانسة سكانيا الخاضعة لسيطرة عائلات وعشائر انقسمت حيال تزكية مرشحيها. لكن غالبية ممارسات الرشوة تتم في المدن الكبيرة والدوائر الصعبة وشبه المغلقة.

الآن تتردد داخل وخارج مناطق الثقل العشائري الاسطوانة التالية; "كم تدفع مقابل صوتي? فلان من المرشحين يدفع كذا فكم سيطلع من خاطرك". "احتاج ثمن بعثة جامعية لأبني", "عندي قرض بنكي بحاجة لتسديد", "مفلسين وبدنا نفرح بعيدية قبل العيد (الأضحى)".

أصحاب البرامج والرؤى يصابون باكتئاب, لا سيما المرشحات الفقيرات اللواتي يصطدمن ببورصة الأصوات وشزر الرجل في العشيرة. أما الحيتان فيركبون الموجة.

حين يجادلهم المرشح غير القادر على خوض مضاربات بازار شراء الأصوات حول الإصلاح والأخلاق, يجيب "البائع" المفترض: "نعرف مسبقا انك ستنسانا وتنسى همنا بعد دخولك المجلس, وستبدأ بالبحث عن تحقيق مصلحتك الشخصية ومصلحة محاسيبك, واللهث وراء تحصيل امتيازات وتنفيعات صغيرة وكبيرة من هنا وهناك, وإعفاء جمركي لسيارتك, وبعثات حج وجامعات...". ويردف الناخب المساوم: "على الأقل خليني استفيد من مالك لتحسين وضعي وسداد قرضي البنكي أو ديوني لأنه مش راح أشوف منك أي خير بعد أن تصل المجلس".

جولات في دوائر عدة, بما فيها عمان الأولى والثالثة, وخارج العاصمة, تكشف ممارسات مخجلة تبدو أقرب إلى "مافيات الأصوات", أبطالها رجال ونساء مؤثرون في محيطهم المباشر.

في أكثر من حي يحتدم التنافس على توزيع مغلفات محشوة بالمال. وهناك عشرات طلبات التوظيف في القطاعين. وتسمع مرشحين يعتزون بعلاقاتهم الوطيدة مع "س" و"ص" من المسؤولين, ويعدون من يعطيهم الصوت بتوظيف ابنه أو ابنته المحبطة الذي يبحث عن فرصة عمل منذ شهور أو سنوات. تشاهد ناخبين لا يفتحون المغلفات ولا يتصرفون بما فيه إلا إذا تأكد لهم انه لا يوجد مرشح آخر سيدفع أكثر من سلفه.

قانون الصوت الواحد في الدائرة الواحدة الوهمية لمقعد واحد بدل الصوت الواحد المجتزأ انعكس أيضا على تقسيمات مناطق نفوذ ما تعرف ب"مافيات الأصوات". كل حارة لها سمسار. كثير من المرشحين لا يستطيعون الالتقاء بالناخبين إذا لم يضمنوا دور الوسيط. يبرز في إحدى مناطق عمان الثالثة شاب نشط يحظى بتأثير واسع في أوساط الشباب كان عمل منسقا لمصلحة فلان من النواب في الحملة الانتخابية 2007 وله أيضا خبرة في إدارة حملات مرشحي أمانة عمان. وهناك شخصيات مؤثرة من كبار السن لكنهم لا يملكون هواتف خلوية أو أموالا تمكنهم من الاتصال بناخبيه "والحوس" بينهم.

لكسب أصوات النساء, يلجأ مرشحون ومرشحات إلى مفاتيح نسوية معروفة بقدرتها على التأثير الإيجابي وبقوة شخصياتهن وتواصلهن الاجتماعي. منهن نساء اكتسبن شهرة عندما ساعدن مرشحين وصلوا إلى المجلس السابق. تتحدث إحدى الروايات عن سيدة من هذه المفاتيح كانت يدا يمنى لأحد المرشحين في عمان الثالثة قبل أن تنقلب عليه لمصلحة مرشح آخر دفع لها مبلغا أكبر. تقول هذه السيدة إن هدفها من وراء الانتقال إلى الخندق المعادي ليس فقط المال, إنما "فرك مناخير المرشح الآخر الذي أغضبها وباق فيها".

وهناك صنف آخر يقدم خدمات للمرشحين, لكن على مستوى أعلى وأكثر تقدما.

لائحة الأسعار تختلف لدى تحضير المناسبة باختلاف المطلوب. مهرجان في الهواء الطلق له سعر, وداخل الصيوان له سعر آخر. بعد صلاة الجمعة مع حفل غداء بتسعيرة مختلفة, وكذلك عند الغروب مع ضيافة ماء, عصائر وكنافة.. شامل مواصلات سعر وبدون مواصلات سعر. بالتأكيد ستزيد الأسعار على قاعدة العرض والطلب مع بدء عملية تسجيل الناخبين كمرشحين اليوم الأحد ولمدة ثلاثة أيام.

يقترح البعض بأن تتنصت الأجهزة الرسمية على مكالمات بعض المرشحين ومنسقي حملاتهم الذين باتوا مضرب مثل لدى الحديث عن شراء الأصوات, أو محاولة نصب كمين لهم من خلال سماسرة أصوات قد يقتنعون بضرورة وقف تلك الممارسات المضرة بهيبة الدولة وبكرامة الناس. في المقابل, يجادل معارضو هكذا اقتراح بعدم مشروعية وأخلاقية التنصت على الآخرين.

بانتظار أن تجد الأجهزة الأمنية وسيلة لضبط "حيتان المال السياسي" كردع للناخبين والمرشحين, بإمكان وزارة الداخلية منع الناخبين من إدخال أجهزة الخلوي إلى غرف الاقتراع يوم الانتخابات لكي تمنعهم من تصوير اقتراعهم لسماسرة الأصوات. فهي منعت المراقبين من إدخال خلوياتهم إلى غرف الاقتراع.

ويمكنها أيضا تدشين خط ساخن مخصص لتلقي شكاوى ضد صفقات بيع الأصوات, بخاصة تلك التي تتم في ربع الساعة الأخيرة كما حصل في الانتخابات الماضية, "عينك عينك" على أبواب مراكز الاقتراع. تشديد الحراسة قد يكون مفيدا لتخويف من يحاول المناورة بمغلفات المال.

بالطبع, يجب ضمان عدم كشف هوية المشتكي إنما تحري شكواه, ولدى تثبيتها قد يُطلب للشهادة من اجل الوطن

العرب اليوم